جاءت قصة الملاعنة في صحيح البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، وذكر القصة أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد فيه ضعف يسير، ولكن يشهد له أحاديث أخرى في هذا المعنى، فسياق الإمام أبي داود سياق طويل وفيه تفصيل، ففيه قال ابن عباس رضي الله عنهما: (جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عز وجل عليهم، فجاء من أرضه عشياً، فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يزد حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني جئت أهلي عشاءً فوجدت عندهم رجلاً، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه صلوات الله وسلامه عليه، فنزلت هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6] الآية، فسرَّى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال للرجل: أبشر يا هلال! قد جعل الله عز وجل لك فرجاً ومخرجاً، قال هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة لتأتي، فجاءت فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: هاتين الآيتين، (فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا).
فهنا الرجل قذف امرأته والمرأة كذبته، فالنبي صلى الله عليه وسلم وعظ الاثنين: (الله يعلم أن أحدكما كاذب) أي: لا يمكن أن يكون الاثنان صادقين، فأحدهما كاذب، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر المرأة والرجل وقال: (إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا) ففي الدنيا كان الرجم شديداً، ولكن ما في الآخرة أشد وأفظع، فلما قال ذلك صلى الله عليه وسلم قال هلال: (والله لقد صدقت عليها، فقالت: قد كذب) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاعنوا بينهما)، فهذا الحكم الذي في كتاب الله عز وجل فطبقوه، (فقيل لـ هلال: اشهد، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فلما كان الخامسة قيل له: يا هلال! اتق الله؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة) يعني: أنت حلفت أربعة أيمان، فهذه الخامسة هي الموجبة عليك لعنة الله سبحانه وتعالى إن كنت من الكاذبين، (فقال: والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها، فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل للمرأة: اشهدي) فهنا المرأة شهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (فشهدت حالفة بالله سبحانه إنه لمن الكاذبين، فلما كانت عند الخامسة قيل لها: اتقي الله؛ فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب) يعني: العذاب في الآخرة (فتلكأت ساعة) يعني: المرأة سمعت النصيحة فكادت أن تؤثر فيها (فتلكأت ساعة ثم قالت: والله لا أفضح قومي)، وهنا قارن بين النظر في الآخرة ثم النظر في الدنيا، الإنسان ينظر إلى الآخرة على أنها بعيدة، فهي رأت أن قومها سيفتضحون فقالت: لا أفضح قومي، فنظرت وآثرت الدنيا على الآخرة، قال: (فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) ثم قال: (ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما).