ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات حكماً من الأحكام، وحداً من الحدود وهو حد القاذف، وهو الذي يقذف المحصنة أو المحصن من المؤمنين، والمقصود بالمحصن أي: العفيف من الرجال، والمحصنة: العفيفة من النساء يعني: المؤمنات، فهذا يشمل عموم المحصنات، وهنا خص الله عز وجل الذين يرمون أزواجهم، ورمي الرجل لامرأته هذا شيء نادر أن يحدث، فجعل له حكماً من الأحكام وهو: أن الرجل يتلاعن هو وامرأته في ذلك.
فالرجل يقول: إنها فعلت هذه الفاحشة، والمرأة تكذب ذلك ولكن بصورة معينة جاءت في هذه الآية، فأحدهما سيشهد بالله أربع شهادات إنه لمن الصادقين فيما رمى به امرأته من ذلك، والشهادة الخامسة أنه يدعو على نفسه بلعنة الله عز وجل إن كان من الكاذبين.
فإذا قال الرجل ذلك وجب على المرأة العذاب، ويدرأ عنها أنها تجيب وترد على هذه الدعوى بأن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما يقول، وقد قدمنا في الحديث السابق أن العلماء اختلفوا في أن أيمان الملاعنة التي ذكرت بصيغة الشهادات هل هي أيمان بصيغة الشهادة أم هي شهادة بصيغة الأيمان؟ والجمهور على أنها أيمان بصيغة الشهادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلّف الرجل والمرأة، فقال: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن) ففي الحديث بيان أن هذه أيمان.
وذهب الأحناف إلى أنها شهادة، وعلى ذلك لا تكون الشهادة إلا ممن هو أهل للشهادة، فالعبد لا تقبل شهادته؛ لأن العبد ليس أهلاً للشهادة، هذا عند الأحناف.
واحتج الجمهور بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، والأحناف ذكروا أنها شهادة واحتجوا بهذه الآية: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:6]، قالوا: إن الأصل في الذي يقذف المحصنة أنه لابد أن يأتي بأربعة شهداء، وهنا قام الرجل مقام الأربعة الشهود، فهو الآن شاهد، ولكن لولا أنه جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تسميتها بالأيمان لكان قول الأحناف قولاً وجيهاً.