أمر الله نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يدعو بهذا الدعاء، {قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:93 - 94].
أي: إذا أتيتهم بالعذاب الذي توعدتهم به فلا تجعلني معهم، وقد كان من عذابهم أن قتل بعضهم في الحروب مع النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الله عز جل البعض الآخر بالموت، وأسلم منهم من تبقى.
وهذه السورة سورة مكية كما ذكرنا، وفيها الإخبار بأشياء من الغيب، كالإخبار عن أسماء الله الحسنى وصفاته العلى سبحانه، والإخبار عن أقدار الله سبحانه، وعن أمور يوم القيامة وما يكون فيها، فهنا يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ادع بذلك؛ لأن الرسول لا يعرف ما الذي سيكون بعد ذلك، فإذا كان سيستأصلهم الله بعذاب فقد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول: نجني يا رب من هذا العذاب، ولا تجعلني مع هؤلاء الظالمين.
وقد علم صلى الله عليه وسلم يقيناً أن الله عز وجل قد عصمه من أن يكون مع هؤلاء الظالمين، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]، ولكن علمه أن يقول ذلك لأنه لا أحد من المؤمنين يأمن مكر الله سبحانه فضلاً عن غيرهم، قال تعالى: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99].
وإلا فإن الله قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2]، وقال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]، ولكن كأنه يقول له: في مقام التضرع والدعاء ادع ربك ألا يعذبك، فأنت لا تأمن مكر الله سبحانه وتعالى، فإذا كان رسول الله قد أمر بذلك فغيره من باب أولى، فعلى كل إنسان مؤمن ألا يأمن مكر الله سبحانه وتعالى، خاصة وقد أخبرنا سبحانه أنه إذا نزل عذابه فإنه لا يأتي للظلمة فقط، ولكنه يعم الظلمة وغيرهم، ثم يبعثون على نياتهم يوم القيامة.
فعلى الإنسان المؤمن أن يخاف من بطش الله ومن مكره سبحانه.
قال تعالى: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:95] أي: ما نتوعدهم به من العذاب سيكون، ولكن لكل شيء عند الله أجل مكتوب عنده سبحانه، فسنظهر لك هذا الذي توعدناهم به.