تفسير قوله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله)

قال سبحانه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91]، أي: هؤلاء كاذبون فيما افتروه على الله، إذ قالوا: إن الملائكة بنات الله، وقال اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأخبر الله أنه ما اتخذ من صاحبة ولا ولد، وما كان معه من إله، بل حتى لو حصل هذا -وهو مستحيل- لكن هذا من باب المناظرة لهؤلاء وإقامة الحجة عليهم من باب التنزل في المناظرة، فلو فرضنا أنه يوجد إله مع الله، فسيذهب كل إله بما خلق؛ إذ هذا يخلق وهذا يخلق، وكل واحد يأخذ معه أتباعه وعبيده الذين خلقهم، فهذا يخلق أجراماً، وذاك يخلق أجراماً أخرى، وهذا له نظام في الكون، وهذا له نظام آخر، فتتعارض الأنظمة، وبعد ذلك إما أن يكون أحدهم أقوى فيغلب غيره فهو الإله المتفرد، وإما أن يختلف بعضهم مع بعض فيتدمر هذا الكون كله، وإن كانت الحقيقة والواقع أنه لم ولن يحدث ذلك، فلا إله غير الله سبحانه وتعالى، والدليل على ذلك هذا النظام الذي في الكون، الذي لم يعطب ولم يتزعزع منذ خلقه الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ}، ولا يستحق أحد أن يعبد مع الله عز وجل، فلو وجد إله يستحق العبادة مع الله عز وجل لكان خالقاً؛ لأن الذي يستحق العبادة هو الذي يقدر على أن يخلق، والذي يقدر على أن يفعل ما يريد، وهنا نلاحظ أن الله عز وجل قد أثبت آلهة غير الله فقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23]، فالهوى إله من دون الله سبحانه، وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} [يس:74]، فالكفار قد ضلوا وعبدوا آلهة من دون الله، ولكن هذه الآلهة باعتراف عبادها لا تملك شيئاً ولا تقدر على شيء، وإنما هي -كما يزعمون- توصلهم إلى الله.

فهنا يناقش الله عقولهم الغبية، ويقول: أي آلهة هذه التي تعبدون؟! إذا كانت لا تخلق فلم تعبدونها؟! وإذا قالوا: إنها تخلق فانظروا إلى الكون، فلو كانت آلهة تخلق أو تقدر على الخلق وعلى الرزق لتعارضت هذه الآلهة بعضها مع بعض، ولاضطرب نظام الكون، فالحال أنه لم يضطرب نظام الكون، إذاً: فلا آلهة موجودة مع الله سبحانه، وإنما هو إله واحد.

قال تعالى: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا}، أي: لو كان معه إله يخلق {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، فيبقى الإله الأقوى كعادة الخلق أن القوي يذهب بالضعيف، والقوي يحكم الضعيف، فلو كانت هناك آلهة هذا يخلق وهذا يخلق فالأقوى فيهم هو الذي سيغلب ويصير له الكون وحده، فيقول سبحانه: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}، فعندما يصل الإنسان إلى هذا التفكير في ربه سبحانه حاشا له أن يتخذ ولداً أو يتخذ صاحبة، فإن الذي يتخذ الصاحبة هو المخلوق الضعيف، وهو الذي يحتاج إلى من يكون بجواره، ويحتاج لامرأة تعينه ويكون له منها الولد، فإذا به يبقي على نفسه، وهو يفنى ويأتي بعده من يملك ومن يحكم ويأخذ ما تركه، وحاشا لله عز وجل أن يحتاج إلى ذلك! فلا يحتاج إلى صاحبة، ولا يحتاج إلى ولد سبحانه وتعالى عما يصفون وعما يقولون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015