قال سبحانه: {لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ} [المؤمنون:65]، أي: إذا جاء عليكم العذاب فلن تقدروا أن تمتنعوا من بطشنا ومن عذابنا.
(إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ)، وكأن المعنى: أن هؤلاء الذين قتلوا لا أحد يجيرهم، ولذلك وقف عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم في قليب بدر يناديهم صلى الله عليه وسلم: (يا عتبة بن ربيعة! ويا شيبة بن ربيعة! ويا وليد بن عتبة! ويا أبا جهل بن هشام هل وجدتهم ما وعد ربكم حقاً؟ فيقول له عمر: ما تسمع من أجساد قد جيفت -يعني: لا تسمع قولك- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما أنتم بأسمع منهم)، فالله عز وجل أسمعهم ما قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه، وقد وجدوا ما وعد ربهم حقاً ولم يعد لهم الآن توبة ولا شيء، فقد صاروا أمواتاً، وصاروا إلى النار.
وأما هؤلاء الأحياء فرجعوا يتعنتون، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في يوم أحد، ثم رجعوا بعد ذلك في الخندق، إلى أن أعز الله عز وجل جنده، وقال لهؤلاء: (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ)، أي: لا تصرخوا، ولا تستغيثوا.
(إِنَّكُمْ مِنَّا) أي: من عذابنا (لا تُنصَرُونَ) قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:66 - 67]، أي: قبل ذلك -قبل أن ينزل عليكم هذا العذاب بالقتل وبغيره- كانت تتلى عليكم هذه الآيات، (فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ)، أي: تعرضون عن سماع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ملأ الكبر قلوبهم، وجعلهم يعرضون عن سماع ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الاستفادة منه.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.