لما يئس رسولهم عليه الصلاة والسلام من إيمانهم دعا ربه سبحانه: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون:39] أي: هؤلاء الذين كذبوني فانصرني عليهم بسبب تكذيبهم لي، وعدم قدرتي عليهم، فقال الله عز وجل مطمئناً له: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون:40] أي: اتركهم وانتظر عليهم فهم بعد حين ووقت يسير قليل سيصبحون نادمين على ما فعلوا، فهم يندمون حين لا ينفع الندم، ويطلبون الاستدراك في وقت العدم، انتهى الأمر وجاء العذاب من عند الله سبحانه، ولا رجوع إلى الدنيا مرة ثانية، ولا ينفعهم ندمهم يوم القيامة ولا في قبورهم.
وقوله: ((لَيُصْبِحُنَّ))، اللام قبل الفعل المضارع والنون المثقلة في آخره تدل على القسم، كأن الله سبحانه يطمئنه ويقول: والله ليصبحن نادمين فلا تخف، فكأن الله يقسم لنبيه عليه الصلاة والسلام أننا سننصرك عليهم، وسينظرون ما الذي يحدث لهم.
قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:41] هذا هو الذي عاقب الله به قوم عاد، وجاء في آية أخرى قوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ} [فصلت:16] أي: ريح عاصفة شديدة البرودة عظيمة الهبوب فيها الأحجار تقذف هؤلاء وترفعهم ثم تقلبهم على رءوسهم، فهم ينزلون كأعجاز نخل منقعر، قد انقعر وقد جز من أصله، فالله سبحانه وتعالى أرسل عليهم ريحاً شديدة، وصاح بهم ملك من ملائكة رب العالمين، قال تعالى: ((فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) أي: أهلكهم الله ورفعهم بالرياح فألقاهم على رءوسهم، فصاروا كأعجاز نخل منقعر، وقوله: ((فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً)) أي: جعلهم غثاء كغثاء السيل، وهو الزبد الذي يكون على سطح الماء على وجه ماء البحر أو النهر، هذا هو الغثاء الذي ليس له قيمة ولا ينتفع بمثله، فصاروا كهذا الغثاء فلا قيمة لهم ولا قدر لهم.
((فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) أي: سحقاً لهم وتباً لهم وعقوبة شديدة للقوم الظالمين، ليس هؤلاء فقط بل هم وأمثالهم وكل من فيه هذه الصفة صفة الظلم الأكبر، من ظلم نفسه بتركه عبادة الله سبحانه، وظلم أنبياء الله سبحانه فلم يتبعهم فيما قالوا، وكذبهم وافترى عليهم، فبعداً وسحقاً وعذاباً للقوم الظالمين.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.