فتنة المال

وجاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) يخاف النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه بعد ما كانوا فقراء يعبدون الله عز وجل ما يفتح الله عز وجل عليهم من زهرة الدنيا وزينتها، فقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أويأتي الخير بالشر؟!) يعني: الفتح الذي يفتحه الله عز وجل علينا هذا خير، ومغانم نأخذها فيها خير، وزهرة الدنيا نحصل عليها خير، فهل هذا الخير يأتي بالشر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يأتي الخير بالشر)، وهذا الجواب وقع بعد ما نزل عليه الوحي من السماء، فلم يجب السائل حتى نزل الوحي، فأجاب صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع يقتل خبطاً أو يلم إلا آكلة الخضر) يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يضرب المثال للدنيا فيمن ينكب على الدنيا يريد أن يحصلها جميعها، هذا المثال الذي يذكره النبي صلوات الله وسلامه عليه: (إن مما ينبت الربيع يقتل خبطاً أو يلم) الربيع هو جدول الماء ينبت على حافته أعشاب ونبات وبقول، وتأتي الحيوانات التي تأكل هذا العشب، فمن البهائم ما يستحلي هذا النبات فيأكل كثيراً حتى يشارف على الهلاك من كثرة الامتلاء، قال: (إلا آكلة الخضر) بقرة ذهبت فأكلت ما استطاعت ثم جلست كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى إذا امتدت خاصرتها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ورتعت) بقرة من الأبقار ذهبت فأكلت، وبعدما أكلت استقبلت الشمس فخرج منها العرق والبول، ثم ثلطت وقامت وتحركت شمالاً ويميناً لتهضم هذا الذي بداخلها، فلم يقتلها ما أكلته، ولكن البهيمة التي تأكل ولا تعمل شيئاً، وتهتم بأن تأكل في النهاية يقتلها ذلك خبطاً أو يكاد أن يقتلها إلا أن يدركها صاحبها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن هذا المال خضرة حلوة)، كهذه البقول التي تخرج من الأرض، وكهذه الخضروات التي تخرج من الأرض، لكن المسلم سيكون المال خيراً له: (ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم (وإنه من يأخذه بغير حقه كالذي يأكل ولا يشبع، ويكون عليه شهيداً يوم القيامة) هذا المال الذي يريد الإنسان أن يحصله: إما أن يحصله للخير ليعبد الله عز وجل به، ويعطي الحق لأصحابه، وينفق على أهله وعياله من طول، وعلى المسكين واليتيم وابن السبيل، فيخرج من المال ما يطهر به هذا المال، فهذا الذي ينتفع به العبد يوم القيامة.

ولكن الذي يجمع المال من حل وحرام، وينفق المال في حل وحرام، فهذا كالذي يأكل ولا يشبع، حتى إذا امتلأ في النهاية مات من التخمة، ويأتي المال يوم القيامة ليكون شهيداً على صاحبه، فهذا الذي يلعب في الدنيا ويلهو ويجمع المال للعبث، يكون المال شهيداً عليه يوم القيامة، فالحياة الدنيا إذا استغلها العبد لطاعة الله عز وجل في كل لحظة كانت عظيمة عند الله.

وجاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) غدوة في الصباح تذهب مطيعاً لله عز وجل فيها، مجاهداً في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، أو روحة في سبيل الله، في المساء، فهذه خير من الدنيا جميعها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015