قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم حين يئس من خير ثقيف، حتى إذا كان ببطن نخلة -وكان بينها وبين مكة ثلاثة عشر كيلو متراً، وقد مشاها صلوات الله وسلامه عليه على قدميه- قام يصلي من الليل صلى الله عليه وسلم.
فمن فضل الله سبحانه أن بعث له من يستجيب لدعوته بعد أن رفضها أهل الطائف، فأرسل إليه نفراً من الجن من أهل نصيبين -مكان في اليمن- وكان ذلك سبباً لهدايتهم، فقد كانوا يسترقون السمع من السماء وينزلون إلى الأرض، فيأخذون الكلمة ويزيدون عليها ويكذبون بها على الخلق، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم إذا بالجن التي تسترق السمع تلقى عليها الشهب الثاقبة من السماء فتحرقها.
فقالوا: هناك أمر قد حدث في الأرض منعنا من استراق السمع، فبعث إبليس سرية من أشرف الجن فداروا في الأرض حتى وصلوا إلى تهامة، فلما بلغوا بطن نخلة سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الغداة ويتلوا القرآن، فاستمعوا له وقال بعضهم لبعض: أنصتوا، قال الله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن:19]، فكأن الجن جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون له وازدحموا عليه حتى صاروا لبداً، أي: صار بعضهم فوق بعض.
فقال الله له ممتناً عليه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف:29]، فعندما لم يؤمن الإنس جاء الجن فأمنوا بك، وهذا فيه تثبيت له صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الحادثة كان النبي صلى الله عليه وسلم وحده؛ لأن ابن مسعود: رضي الله عنه عندما سأله أحدهم: هل شهد منكم أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال ابن مسعود: لا، فكأنه يقصد في هذه المرة، وفي المرة الأخرى ذكرنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد الترمذي والدارمي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان يحتمل أنه لم يسمع ولم يحفظ كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الجن، فقد خط له النبي صلى الله عليه وسلم خطاً ونهاه أن يخرج من هذا الخط إلى أن يرجع إليه، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم ودعا الجن، ثم رجع إلى ابن مسعود كما قدمنا في الحديث السابق.