كأن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما ذاهبان إلى حائطهم في الطائف سمعا يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فصعب عليهما ما حل به رغم أنهمها كافران لم يؤمنا به، وقد قاتلاه في يوم بدر، فقالا لغلام لهما نصراني اسمه عداس: خذ قطفاً من العنب وضعه في هذا الطبق، ثم ضعه بين يدي هذا الرجل، ولم يذهبا إليه؛ هروباً من دعوته إياهما إلى الإسلام، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ النبي قطفاً من العنب ليأكله وقال: (بسم الله، فلما سمعه الغلام العبد النصراني نظر إلى وجه صلى الله عليه وسلم ثم قال: والله! إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة، -لأنه كان له معرفة ببعض الأديان- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: من أي البلاد أنت يا عداس؟! وما دينك؟) قال: أنا نصراني من أهل نينوى، من شمال العراق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى؟)، وكان الكفار لا يعرفون الأنبياء إلا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكانوا يسمعون عن موسى وعن المسيح عيسى، ولكن لا يعرفون التفاصيل، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان في مكة لا يعرف ذلك إلا أن الله سبحانه وتعالى علمه.
فقال الغلام لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول ذلك: وما يدريك ما يونس بن متى؟ -لأنه لا يوجد من العرب من يعرف يونس بن متى عليه الصلاة والسلام، -فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاك أخي كان نبياً وأنا نبي)، فانكب عداس حتى قبل رأس النبي صلى الله عليه وسلم ويديه ورجليه، فلما رأى شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة ذلك منه قالا له: لم فعلت هذا يا عداس؟! فقال: ما في الأرض خير من هذا، أخبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي.
وكان المفترض على هؤلاء لما عرفوا أنه نبي صلى الله عليه وسلم أن يتبعوه ولا يحاربوه، ولكن الرئاسة قد تمنع الإنسان من اتباع الحق، وهؤلاء كانوا سادة في أقوامهم، فكيف يستجيبون لهذا الرجل ويكونون أتباعاً له؟! فالإنسان قد يرفض الحق بعد معرفته بسبب ما هو فيه من أمر الدنيا، ففضل الدنيا على الآخرة.