تفسير قوله تعالى: (وإذا تتلى عليهم آياتنا)

قال الله تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الجاثية:25].

فقوله تعالى: ((وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ)) أي: يتلو عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ عليهم ويرشدهم ويهديهم ويعلمهم القرآن البين، وقوله: ((آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ)) أي: واضحات جليات ليس فيها إشكال، وبلسان عربي وأهل اللغة العربية هم الذين يفهمون ذلك، والقرآن نزل واضحاً ليس مشكلاً.

وقال تعالى: ((مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ)) وهل عندهم حجة حقيقية؟ فقد أخبرنا الله بقوله: ((إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)) فقوله تعالى: ((مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)) أي: هاتوا آباءنا إذا كنتم صادقين، فحجتهم أنَّ قصي بن كلاب كان جدهم، ونريد إحياء قصي بن كلاب؛ لأنه كان رجلاً صادقاً يتكلم بالحق، وهم يعرفون الصادق المصدوق ويعترفون به صلوات الله وسلامه عليه ويسمونه الصادق الأمين الذي يستشيرونه ويأخذون رأيه ويصدقونه في كل ما يقول، وكان فخرهم صلوات الله وسلامه عليه، فيريدون قصي بن كلاب وعندهم رسول الله الذي جاءهم بالكتاب من عند الله، فلو جاءهم قصي بن كلاب وقال لهم: محمد صلى الله عليه وسلم صادق، فهل هم معترفون بصدقه صلى الله عليه وسلم؟ من المشركين من طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يحول لهم الصفا ذهباً، وبعضهم طلب منه أنه يفجر في هذه الأرض ينبوعاً، والبعض طلب منه شق القمر، ولما أشار إلى القمر، ودعا وانشق القمر لم يؤمن هؤلاء الذين طلبوا ذلك، بل قالوا: سحرنا! فالله أعلم بعباده، يعلم أنهم لن يستجيبوا حين يأتيهم النبي صلى الله عليه وسلم بالآيات، وقد عرفنا ربنا سبحانه أنهم إذا رأوا الآيات سيأتيهم العذاب بعد هذه الآيات، ولذلك أصحاب المائدة لما طلبوا من المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم المائدة من السماء {قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:112] فقالوا: {نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:113] فدعا عيسى عليه السلام ربه فقال: {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} [المائدة:114].

واستجاب الله عز وجل لعيسى وقال لهم: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:115]، أي: ستنزل المائدة من السماء، وستأكلون من هذه المائدة، والذي سيكفر بعد ذلك له أشد العذاب من الله رب العالمين، فالآيات الحسية التي تنزل لابد من الإيمان بها، فإن لم تؤمن استحققت العذاب الشديد الأليم، فكان من رحمة رب العالمين بعباده أنه لم ينزل عليهم آية حسية عامة للجميع، ولما انشق القمر انشق للبعض ممن استيقظ في تلك الليلة وتحدى النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا ربه فانشق القمر ثم التأم مرة ثانية، فلو كانت آية عامة للخلق كلهم لكان العذاب من بعد ذلك حين لم يؤمنوا.

قال الله عز وجل هنا: ((وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ)) بينات: واضحات جليات، ((مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا))، (ما كان) اسم كان هنا: (أن قالوا) وخبرها مقدم: (حجتهم) ((مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا)) ليس فيها قراءة أخرى، كل القراء يقرءونها على الخبر المقدم: ((مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ)) وإن كان في غيرها قد يأتي الضم والفتح.

فهم طلبوا ذلك والحجة في زعمهم: ((ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ)).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015