قال الله تعالى عن هؤلاء الكفار: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية:24] وتقدم قبل ذلك قولهم: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} [المؤمنون:37]، (إن هي) بمعنى: ما هي، إن بمعنى: ما، وهنا قالوا: (ما هي إلا حياتنا الدنيا)، ولذلك كان يأمر بعضهم بعضاً أن يأخذوا من الدنيا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، ويعللون ذلك بقولهم: إن هي إلا حياتنا الدنيا، هي حياة واحدة فقط وسنموت ونصير تراباً، فنحن نأخذ الذي نريده ونفعل ما نشاء، فيقولون: ((مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ))، يقولون: (نموت ونحيا) ولا يقصدون أنهم يبعثون، ولكنهم يقصدون أن أناساً يموتون وأناساً يحيون، هذا يموت وهذا يُولد، يعني: نموت ويحيا من يخلفنا بعد ذلك، فلماذا نضيع حظنا من الدنيا طالما نحن ميتون؟ ثم ينسبون الإهلاك إلى الدهر: ((وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)) والدهر: الزمن، يعني: نحن نعيش وبعد عمر طويل نموت، إذاً: كر الليالي والأيام علينا هي التي تهلكنا، ومع ذلك لو سألتهم من خلقهم ليقولن: الله! وقوله تعالى: ((وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ)) أي: هي حياة في الدنيا نعيش حتى نعجز ثم بعد ذلك نموت، والدهر الأيام والليالي التي تأخذنا بعد ذلك.
قال الله عز وجل: ((وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ)) والعلم بمعنى: اليقين، أي: ما عندهم علم بما يقولونه، هل عندهم أثاره من ذلك الذي يقولونه، من تكلمهم عن الغيب، وإنكارهم للبعث، وهذا النبي صلوات الله وسلامه عليه جاء بكتاب من عند الله عز وجل، يقول الله لهم فيه: ((وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ)) بل علمهم هذا مجرد ظن وخرص، قال تعالى: ((إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ))، هذه ظنون وهذه شكوك يتكلمون بها.