قال الله تعالى: {وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزخرف:85].
(تبارك) تفاعل من البركة، فبركته كثيرة، وتبارك بمعنى: تمجد وتعالى، فهو يستحق التسبيح وحده لا شريك له، قال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1]، وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1]، وهنا قال: {َتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزخرف:85] أي: تعالى وتمجد سبحانه، وكثر خيره، وكثرت بركته سبحانه وتعالى، {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزخرف:85]، فهو الإله وهو الرب سبحانه، والرب هو الذي يملك، ويخلق ويرزق ويربي، فذكر ربوبيته بقوله: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزخرف:85]، وذكر ألوهيته بأنه إله في السماوات وفي الأرض سبحانه وتعالى.
والملك الملكوت، فهو ملك له، هو ملكه سبحانه والمالك له، وهو الملك سبحانه وتعالى.
قوله سبحانه: {وما بينهما} [الزخرف:85]، أي: ما بين الأرض والسماوات، والمعنى: الذي يملك كل شيء سبحانه وتعالى.
قوله سبحانه: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [الزخرف:85]، هو كما قال: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]، فعنده وحده علم الساعة، ومتى تقوم، وإن كان أعطى لأنبيائه شيئاً من علم هذه الساعة كعرفة علاماتها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكون في يوم جمعة، لكن في أي جمعة؟ لا يدري أحد، ولكن قبلها أمارات، مثل طلوع الشمس من مغربها، والدخان، وخروج المسيح الدجال، ونزول المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وخروج يأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف في المشرق وخسف في المغرب وخسف بجزيرة العرب، فهذه أمارات وعلامات، أما متى تقوم الساعة، فهذا علمه عند الله وحده لا شريك له، فمن ادعى أنه يعلم متى تقوم الساعة فهو كاذب؛ لأن الله لم يجعل علمها لأحد من خلقه دونه.
قوله سبحانه: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الزخرف:85] أي: إليه المرجع، وهذه قراءة الجمهور: أي: بالبناء للمجهول، وقرأها بالبناء للفاعل يعقوب على وجهين: (وإليه يَرجِعون) من رواية رويس ومن رواية روح: (وإليه تَرجِعون) والمعنى: تَرجعون أنتم أيها الناس إلى الله عز وجل، وتُرجعون أي: يعيدكم إليه سبحانه وتعالى، كما بدأكم أول مرة يعيدكم مرة ثانية لترجعوا إليه وتلاقوا جزاءكم وحسابكم.