قال الله تعالى: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] هذا نداء من رب العالمين يوم القيامة هذا المشهد سيكون أمامك.
فيوم القيامة الأخلاء بعضهم لبعض عدو، وترى الناس يهرب بعضهم من بعض ويقول: نفسي نفسي، وكل منهم يتهم الآخر بأنه السبب في هذا الشيء، والآخر يقول: أنت، ولو أن لي كرة فأراجع أمر ربي مرة ثانية، لكن المؤمنين يوم القيامة يناديهم الله عز وجل: يا عبادي، والجميع ينصتون، يقولون: كنا عباد الله، فينصت الجميع، فيقول الله عز وجل: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:68 - 69].
إذاً: هنا عباد الله هم الذين اختصهم الله عز وجل بفضله وبرحمته، والجميع يشرئب لذلك يوم القيامة ونحن نعلم أن كل الخلق عباد الله، ولكن الله يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] فلا يرفع رأسه إلا من كان مؤمناً مسلماً لرب العالمين سبحانه.
إن هذه الآية: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] قرأها بكسر الدال ابن كثير وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف، وكذلك روح عن يعقوب قرأها: (يا عبادِ لا خوف) بكسر الدال عند الوصل، وعند الوقف يقرأ: (يا عبادْ) بسكون الدال.
وقرأها باقي القراء بالياء في آخرها: (يا عبادي) عند الوقف، وقرأها نافع وأبو جعفر وأبو عمرو وابن عامر وكذلك رويس عن يعقوب: (يا عبادي لا خوف) عند الوصل.
ويقرأها شعبة ورويس عن خلف: (يا عباديَ لا خوف) عند الوصل، وكل القراء يقرءون: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} [الزخرف:68] ما عدا يعقوب يقرأ: (لا خوفَ عليكم).
فقوله تعالى: {لا خَوْفٌ} [الزخرف:68] يعني: لا تخافون، ولا أحد من المؤمنين يخاف عليكم.
فقوله تعالى: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] معلوم أن الإنسان يخاف دائماً، إذاً: الخوف دائماً من المستقبل، حتى لو كان بجريرة ماضية يخاف من جزاء هذه الجريرة بعد ذلك، والحزن دائماً على الماضي، والإنسان يتذكر مأساة حصلت يحزن عليها، وأهل الجنة لا يحزنون على ماض ولا يخافون من مستقبل، فالله عز وجل قد أمنهم، وهذا أعظم ما يكون من الجزاء أن الإنسان يقال له: أنت في الجنة، وهو خالد فيها لا يموت فيفرح بذلك، فلا حزن ولا شيء يكدر عليه ما هو فيه، ولا خوف من مستقبل يؤذيه، هذه جنة الله، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.
إن الله عز وجل ينادي المؤمنين: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [الزخرف:68] فعلى قراءة: (لا خوفَ) لا: نافية للجنس، فإن للتبرئة، أي: إن مستحيل أن تخافون وأنتم في الجنة أو تحزنون وأنتم فيها.
وقوله: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [الزخرف:68] أي: من ساعة ما يدخلون الجنة يؤمنهم الله عز وجل، دخلتم الجنة، فلن تخرجوا أبداً من هذه الجنة ولن تموتوا أبداً، ولن تشقوا أبداً، ولا يكدر عليكم صفوكم شيء أبداً، ولا أنتم تحزنون.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] تأكيد أمر الإيمان والإسلام.
فقوله: {آمَنُوا بِآيَاتِنَا} [الزخرف:69] وإن كان المؤمن هو المسلم والمسلم هو المؤمن، ولكن بينهما عموم وخصوص، فالإسلام يعم والإيمان يخص، من ضمن هؤلاء أنهما ي أعلى درجة واحدة إذا كان متحابين في الله.
والمعنى اللغوي لهذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا} [الزخرف:69] آمنوا صدقوا بآيات الله عز وجل، فاتبعوا الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
{وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] على المعنى اللغوي فيها: مستسلمين، منقادين، مطيعين، خاشعين لله عز وجل، مخلصين له.
إذاً: هنا: {وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:69] أي: أسلموا قلوبهم، وأسلموا وجوههم، ووجهوا وجوههم لله رب العالمين سبحانه وتعالى.
فإذا جمعوا هذه الصفات كانوا مصدقين بما جاء من عند الله، وكانوا متابعين عاملين منقادين لأمر الله سبحانه، ومجتنبين ما نهى الله عز وجل عنه، وهؤلاء هم عباد الله الذين يناديهم الله يوم القيامة.