قال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الزخرف:63] أعاد سبحانه ذكر المسيح عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر أن المسيح عبد، وأنه من أشراط الساعة، وهنا ذكر أن المسيح جاء إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى رب العالمين سبحانه، وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، فالمسيح من ضمن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الذين لم يرسلوا إلى جميع الخلق، لكن نبينا صلى الله عليه وسلم ميز على جميع الرسل بأن دعوته للعالمين للإنس وللجن، قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن:1 - 2] وذكر الله سبحانه وتعالى الجن حين سمعوا للنبي صلى الله عليه وسلم فرجعوا إلى قومهم منذرين: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأحقاف:30] {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف:31] فأخذوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجعوا إلى قومهم ليدعوهم إلى أن يستجيبوا لرب العالمين سبحانه.
أما باقي الأنبياء فكانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، فالمسيح أرسل إلى بني إسرائيل، فقد قال: أرسلت إلى خراف بني إسرائيل الضالة، فهنا قال تعالى: ((وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ)) أي: جئتكم بالنبوة وجئتكم بالشريعة وبالكلام الفصل ليس بالهزل، ((وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ)) جاء المسيح عليه الصلاة والسلام وبنو إسرائيل مختلفون في أمور دينهم مختلفون في التوراة، ومختلفون في أمور دنياهم أيضاً، فقال: ((وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ)) أي: لم آت لأبين كل ما تختلفون فيه، فأمر دنياكم لا دخل لي به، ولكن جئت لأبين لكم أمر دينكم، هذا بعض الذي تختلفون فيه، فكان اختلافهم في أمر الدنيا واختلافهم في أمر الدين، فقال: أنا أبين لكم أمر الدين هذا الذي أرسلت به، فقال: (بعض) ولم يقل: كل الذي تختلفون فيه، ((وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ)) أي: اتقوا الله ولا تغضبوه سبحانه وتعالى، واجعلوا بينكم وبين غضبه وقاية من طاعته سبحانه وحسن عبادته والإخلاص له.
وكذا كل الخلق يلزمهم أن يتقوا الله سبحانه، وأن يطيعوا المرسلين، قال: (وأطيعون) لم يقل المسيح: واتقوني أنا، لا؛ لأنه ليس إلهاً ولكنه عبد من عباد الله أنعم الله عز وجل عليه بالنبوة، فقال: اتقوا الله واعبدوه ووحده واحذروا غضبه بشرككم وأطيعوني فيما جئتكم به من عند رب العالمين.