ثم قال تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:50].
قوله: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً) فيجعل لعبده الإناث ويجعل له الذكور، كما كان في ذرية إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فإنه أنجب الذكور وأنجب الإناث، فكان لإسماعيل من الذكور وكان له من الإناث.
(وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) سبحانه وتعالى، فجعل في الخلق وفي الأنبياء من هو كذلك، فهذا المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام لم يتزوج ولم يكن له ولد، ويحيى لم يكن له ولد.
(وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا) في أصل خلقته لا يكون له الولد، فالله عز وجل كما جعل في أنبيائه كذلك جعله في خلقه؛ ليرينا آيات قدرته، فالله القادر سبحانه، والله هو الذي يهب، وكل ما في الخلق محض هبة من الله وعطية منه؛ إن أعطاك الولد أو البنت فذلك هبة منه سبحانه، وإن منعك ذلك فالله يفعل ما يشاء، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وقوله: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا)، (يزوج) هنا بمعنى: يقرن، أي: أنه يرزق من يشاء من عباده ذكوراً فقط، ويرزق من يشاء من عباده إناثاً فقط، أو يقرن الاثنين لمن يشاء من عباده، فينجب الذكور والإناث، كما كان لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، فقد كان له من الأبناء الذكور عبد الله والقاسم وإبراهيم، وعبد الله كان يلقب بـ الطيب والطاهر، وكلهم ماتوا صغاراً.
وله صلوات الله وسلامه عليه من الإناث: فاطمة وبقيت بعده ستة أشهر، وباقي بنات النبي صلى الله عليه وسلم متن في حياته عليه الصلاة والسلام، وهن: رقية وزينب وأم كلثوم.
فوهب للنبي صلى الله عليه وسلم الذكور والإناث، وأخبره أنه: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب:40]، هذه الآية يخبر تعالى فيها أنه لن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم ذكر يعيش حتى يصير رجلاً فيكون من ضمن الأقوام، فما كان له ذلك، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يموت أبناؤه في حياته عليه الصلاة والسلام، فمات جميع الذكور، وماتت بنات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يبق إلا فاطمة ماتت بعده صلوات الله وسلامه عليه بستة أشهر.
فالله سبحانه وتعالى أرانا هذه الآيات في أنبيائه حتى نقتدي بهم، فهذا رزقه الله الذكور، وهذا رزقه الله الإناث، وهذا لم يرزقه الله عز وجل ذرية أصلاً، وجعله عقيماً، وهذا ليس عيباً من العيوب، فإن هذا قضاء الله وقدره، وهذه قسمة الله في خلقه، فإنه سبحانه يهب لمن يشاء ما يشاء، وهو أعلم، كما قال عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].
فقوله: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) أي: يقرن بين الذكور والإناث، فيكون للرجل البنات والذكور.
وبدأ سبحانه بقوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا)، فقدم ذكر الإناث، ولذلك كان بعض السلف يحب أن يرزقه الله عز وجل أول ما يرزقه الأنثى، وأول ما يكون له ذلك يفرح، ويقول: هذه بركة؛ لأن الله عز وجل قدم ذكر الإناث فقال: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا)، فبدأ بهن، وقال: (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ).
فالله عز وجل يخلق وأنت لا تقدر أن تخلق شيئاًَ، فإذا أعطاك الله عز وجل البنت فلا تعترض، ولا تقل: لقد كنت أريد ولداً، وإذا أعطاك الولد فلا تعترض وتقول: كنت أريد بنتاً، فليس الأمر بمزاجك، فإن هذا خلق الله عز وجل، يخلق سبحانه وتعالى ما يشاء، ويحكم ما يريد.