يقول ابن الجوزي: اختلف العلماء رضي الله عنهم لأي معنىً أن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه، مع كمال رأيه وتدبيره صلوات الله وسلامه عليه، بمعنى: هل كان محتاجاً لآرائهم صلى الله عليه وسلم وقد كمل علمه وحلمه، وكملت أراؤه عليه الصلاة والسلام؟ يقول ابن الجوزي: قيل: ليستن به من بعده، وهذا صحيح، فالله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1]، وليس معنى ذلك أنه لا يتقي الله صلوات الله وسلامه عليه، فيأمره الله عز وجل بذلك ليتقوا الله وليأتمروا بأمره، ولا يستنكفوا عن عبادته.
وقيل مثل ذلك في مقام الوعيد: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]، وحاشاه أن يقع في الشرك صلى الله عليه وسلم وأن يكون من الخاسرين، وقد أخبره الله بقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2]، والنبي صلى الله عليه وسلم مستحيل أن يشرك وقد عصمه الله سبحانه، ولكن إذا قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك فالأمة أولى بذلك، فعلى المسلمين أن يخافوا على أنفسهم من الشرك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه حتى يستن به المؤمنون.
وقيل: لتطييب قلوبهم حين يستشيرهم، ولو استشار الإنسان إنساناً آخر في أمر من الأمور فسوف يحس ذلك المستشار أن له وضعاً واعتباراً واحتراماً، فيقول رأيه وهو طيب النفس، حتى ولو كان أقل منك، ولن تأخذ برأيه، ولكنك قد أرحت باله وطيبت نفسه باستشارتك له.
فالشورى مبدأ عظيم تطيب به نفوس الناس، وإذا حدث خطأ بعدها فلن يقول أحد لآخر: أنت انفردت بالرأي والحكم، ولكن سيقال: هذا رأي الجميع والخطأ منهم جميعاً.