قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ) فهذه آية واحدة من الآيات الموجودة في الكون، فكونه يجعل لنا سبحانه النجوم الزاهرة في هذه السموات ويجعل لنا في هذه السموات ما نستدل به عليه، ومن الناس من يعرف أن هنا شرقاً وهنا غرباً بهذه النجوم، قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] فأعطى الإنسان العقل حتى يفكر في ذلك فيهتدي إلى سبيله ويهتدي إلى خالقه سبحانه وتعالى.
وكذلك خلق الله في السموات دواباً لا نعلمها، يقول العلماء: أردنا أن نصعد كوكب الزهرة كي نعرف هل هناك مخلوقات لله سبحانه، أم أنه ليس هناك غيرنا في هذا الكون؟ فقمنا بتحليل تربة كوكب الزهرة لكي نعرف هل هناك أوكسجين أو ماء أم ليس هناك شيء من ذلك؟ فوجدناه محاطاً بالجليد، ولم نعرف من أين جاء هذا الجليد؟ فالله يبث ما يشاء من خلقه فيما يشاء سبحانه وتعالى ويخلق ما يشاء.
وقد علمنا أن السموات ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك من الملائكة، وعلمنا أن الله عز وجل جعل ملائكة في الأرض سياحين يسيحون في الأرض ويبحثون عن مجالس الذكر، ويحيطون بنا ويحفظوننا بأمر الله سبحانه، ونحن لا نرى هذه الملائكة، ولكننا نؤمن بها ونعلم أن قوتها أعظم منا بكثير، وأنهم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]، فإذا تكلم الإنسان وقال: النجوم خالية فارغة ليس فيها أحد، فنقول: الله يخلق ما لا تعلمون، فالأرض حولنا فيها ملائكة وفيها جان وفيها شياطين، ونحن لا نرى شيئاً من ذلك، ونؤمن بوجود هذه الأشياء، فالله بث في السموات دواباً، وبث في الأرض دواباً، ونحن نعلم شيئاً ويخفى عنا الكثير، والله يعلم كل شيء سبحانه وتعالى.
فقوله تعالى: (وَمَا بَثَّ) أي: نشر، وقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ) أي: من دلائل قدرته وعظمته سبحانه وتعالى آية له، ومن معجزاته وعلامات قدرته ودلائل قوته سبحانه أن خلق السموات وخلق الأرض وبث في السموات والأرض دواباً، وكل ما يدب في مكان فهو دابة.
فقوله تعالى: (وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ) أي: من آيات الله سبحانه؛ فإذا حاولت وتأملت كم من الدواب على هذه الأرض وكم من الأجناس التي خلقها الله، فإن تحت كل جنس من هذه الأجناس أنواعاً، وتحت كل نوع أصنافاً، ويقسم العلماء هذه الأشياء ويحاولون حصر الأجناس، وما قدروا أن يحصروها، والحصر مستحيل لخلق الله سبحانه، والله يعلمها بأفرادها فرداً فرداً، وهذا الفرد ما فيه من أعضاء خلقها الله سبحانه يعلمها واحداً واحداً، ويعلم كيف تسير؟ وكيف تقوم؟ وكيف تنام؟ وهو الذي يحييها ويميتها سبحانه، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16] سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ) وقد عرفنا هذا، وعرفنا أن الحجم أعظم بكثير، والعدد عظيم وعظيم جداً، يخبرنا ربنا سبحانه أنه أحصى كل شيء عدداً، فنحن نجتاز المليون والمليار والترليون، وما بعدها من أعداد لا نستطيع معرفتها، فالله أحصى كل شيء عدداً، وكل شيء عده الله وأحصاه ولا يغيب عنه شيء سبحانه، فهو خالقه ومالكه سبحانه وتعالى، وبث هذه الدواب التي يعلمها في هذا الكون، ثم هو على جمعهم إذا يشاء قدير.
يقولون: إنه كلما ازداد العدد على الإنسان كلما صعب الحساب وصعب الجمع، فالله عز وجل يخبر أنه هو الخالق، وأنه وحده الذي ينفرد بذلك، وأنت لا تقدر إذا زاد العدد عليك أن تجمع هذا العدد، لكن الله يقدر على ذلك سبحانه، وهو قادر على جمع كل ما خلق من دواب، وكل ما خلق في هذا الكون سبحانه وتعالى.