أهل الفلك يحدثوننا عن أشياء نحن لا نعرفها، ولا يتبين لنا ما فيها، وإذا رأينا من يعد النجوم قلنا: هذا فارغ ليس لديه عمل، لكن أهل الفلك فرغوا لذلك وعدوا النجوم التي يرونها، وأخبرونا بما وراء ذلك، فأخبرونا أن أعدادها هائلة جداً، فتفكروا في خلق السموات والأرض حتى تعلموا من هو ربكم سبحانه الذي خلق ذلك، إذا قرأت {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] عرفت علو الله وعظمته سبحانه وتعالى، فأنت إذا نظرت إلى الأرض، ونظرت إلى الشمس بجوارها عرفت من علماء الفلك أنها بعيدة جداً عن السماء، وعن أطراف الكون الذي ندركه أو يدركونه هم، وعلى ذلك فلا تستطيع أن تدرك أبعاد هذا الكون الذي ندركه، فهل من الممكن أن يدرك الإنسان كم مساحة الكرة الأرضية التي نعيش عليها؟ إن الكون الذي نعيش فيه تملؤه هذه النجوم والأقمار والشموس ولا نستطيع أن نعرف حدوده، بل إن علم الفلك لم يصل إلى ذلك أبداً، وأهل هذا العلم يقولون: مستحيل أن ندرك ذلك، فهم يقيسون المسافات في هذا الكون، والمسافات بين النجوم بعضها البعض يقيسونها بالسنة الضوئية، قال الله تعالى في هذه النجوم: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75] إنك ترى النجم على ما يجيء لك من الضوء فتقول: هي تحركت من مكانها وانتقلت إلى مكان آخر، فأنت ترى موقعها ولا ترى النجم نفسه، فالضوء يصل إليك من النجم في أربع سنوات ضوئية ونصف سنة ضوئية.
إن المسافات إذا كانت أضخم من ذلك بكثير فإنك لن تحسبها إلا بالثانية الضوئية، والسنة الضوئية، والثانية الضوئية معناها: المسافة التي يقطعها الضوء خلال ثانية واحدة إلى بعد ثلاثمائة كيلو متر.
إن الشمس تبعد عن الأرض بحوالي مائة وأربعين مليون كيلو متر، وهذا بعد واسع جداً، لكن قياساً على غيرها من النجوم فهو بعد بسيط جداً، فعندما نحسب بعد النجوم نحسبه بالسنة الضوئية، والسنة ثلاثمائة وستون يوماً، اضرب ثلاثمائة وستين يوماً في أربع وعشرين ساعة، ثم اضرب في ستين دقيقة، ثم اضرب في ستين ثانية، ثم تحصل على السنة الضوئية وتضربها في ثلاثمائة ألف كيلو متر، وبذلك تستنتج مسافة السنة الضوئية، فالسنة الضوئية تساوي تسعة وثلاثة من عشرة مليون كيلو متر، والمليون في المليون ترليون كيلو متر، إذاً: تسعة وثلاثة من عشرة ترليون كيلو متر، هذه هي السنة الضوئية، فإذا قيل لنا: إن هذا النجم في السماء يبعد عنا بمقدار أربع سنوات ونصف سنة ضوئية، فاضرب في تسعة وثلاثة من عشرة ترليون سيكون الناتج: أربعين ترليون كيلو متر بين هذا النجم وبيننا.
إن النجوم زينة للسماء الدنيا، ولا ندري كم بعدها في السماء الدنيا، وقد خلق الله سبع سموات، وقد استفتح النبي صلى الله عليه وسلم ففتحت له باب السماء الدنيا، وسلمت عليه الملائكة ووجد فيها من رسل الله فلاناً وفلاناً والسماء الثانية مثلها، فهي سموات عظيمة جداً، وبعد الكون بعد عظيم شاسع واسع، يقول العلماء: يقدر قطر الجزء المدرك من الكون بأكثر من عشرين بليون سنة ضوئية، وهذا أعظم مما يتخيله الإنسان، وهو مخلوق خلقه الله.
وإذا أردنا أن نصنع آلة حديثة توصلنا إلى أبعد من ذلك لما استطعنا؛ لأن الكون يتسع، ودائرة الكون تكبر، فالكون تحت هذه السماء الدنيا، والسماوات فوق السماء الدنيا، والله سبحانه فوق السماوات، ويقول العلماء: إن أفلاك الكون تجري بسرعة الضوء، أي: ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية الواحدة، ويقولون: هذا الجزء المدرك مستمر في الاتساع منذ لحظة الخلق الأولى للكون وإلى أن يشاء الله، وذلك بمعدلات فائقة تتباعد بها المجرات عن المجرة التي نحن فيها، فالمجموعة الشمسية بكل ما نراه حولنا في مجرة واحدة وتتباعد المجرات بعضها عن بعض، وتكاد تقرب من سرعة الضوء، وعلى ذلك يقول العلماء: فإننا كلما طورنا أجهزة الرصد والقياس وجدنا هذا الجزء من أطراف الكون المدرك قد تباعد واختفى عن إدراكنا! فانظر إلى قدرة الله سبحانه وتعالى في هذا الكون العظيم!! يقول العلماء: ويحصي علماء الفلك الجزء المدرك من الكون بحوالي مائتي ألف مليون مجرة، أي: مائتي مليار مجرة، هذا الذي تمكنوا من إحصائه، والمجرة التي نحن فيها يسمونها: مجرة درب التبانة، وفيها شموس وأقمار وفيها نجوم بعضها مثل الشمس وبعضها أكبر منها، وبعضها أصغر، ويقولون: المجرة التي نحن فيها وتنتمي إليها الأرض على هيئة قرص مفلطح، هذا القرص يبلغ قطره مائة ألف سنة ضوئية، وسمك هذه المجرة يبلغ عُشْر هذه القيمة وهو عشرة آلاف سنة ضوئية، والسنة الضوئية مقدارها تسعة وثلاثة من عشرة ترليون كيلو متر.
والمجرات تتخذ أشكالاً متعددة تحتوي على عدد من النجوم، والمجرة التي نحن فيها وتنتمي إليها الأرض تحتوي على عدد من النجوم يتراوح هذا العدد بين الألف مليون والترليون نجم، وذكروا أشياء كثيرة أكثر من ذلك، وغرضنا ليس هو إحصاءها، وإنما الغرض: أن هذا الكون واسع وفسيح جداً يحار له العقل ولا يدركه، وعندما يتسع الكون يضيع ما قد عرفنا قبل ذلك، كل هذا تحت السموات والأرض التي هي فوق هذا العالم، فإذا كان هذا الكون الذي خلقه الله سبحانه وتعالى ندرك بعضه ولا نقدر أن ندرك أكثر من هذا الذي أدركناه، والعلماء يقولون: إن هذا الكون ضخم جداً، وهناك تجمعات أخرى نحن لا نراها من هذه المجرات، ولم نستطع أن نصل إليها في هذا الكون؛ لأنها تبعد في كل وقت فيقف العقل البشري عاجزاً عن أن يصل إلى حجم الكون، وهو خلق من خلق الله سبحانه.
فإذا قال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:23] سبحانه الكبير باللام التي تفيد اختصاصه وحده سبحانه بهذه الصفة على عظمتها وعلى أحقيتها، فإذا قلنا: هذا الكون كبير، وفلان كبير، وفلان أكبر من فلان، فإننا نقول: الله هو الكبير، وهو أكبر من كل شيء سبحانه، فإذا دخلت في صلاتك وقلت: الله أكبر، أي: الله أكبر من كل شيء، وإذا واجه الإنسان معضلة من المعضلات أو مشكلة من المشكلات يصلي فيقول: الله أكبر من ذلك، الله الكبير سبحانه القادر على أن يحل المشاكل كلها سبحانه وتعالى، فالله الكبير أكبر من كل شيء، وفوق كل شيء، وأنت لم تدرك من هذا الكون شيئاً، قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255].
إن الإنسان في تخصصاته في الدنيا إذا تخصص في الطب ثم تخصص في شيء آخر كالسمعيات مثلاً، ثم في الزراعة، فهذا شيء صغير جداً أمام علم الله سبحانه، فالإنسان لا يحيط بشيء من علم الله سبحانه وتعالى في هذا الكون، ولهذا أخبرنا سبحانه أن من آياته خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.
وقال تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ} [الغاشية:17 - 19]، أفلا ينظرون كيف خلقت هذه الأشياء؟ وقال لنا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:190] ولما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد أنزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتدبرها)؛ ولذلك إذا قرأت: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [البقرة:164] فتأمل في خلق الله سبحانه تعرف قدرة ربك سبحانه وتعالى الذي أحاط بهذا كله علماً، فهذه الشموس، وهذه النجوم التي تمشي وتجري فتروح شمالاً ويميناً، وكلها تدور في هذا الكون بانتظام منسق، ويجعل الله سبحانه وتعالى لكل شيء أجلاً، فهذا النجم ينفجر، وهذا النجم يبدأ ميلاده كما قدره الله سبحانه وتعالى.
والإنسان حيث يشاهد هذا الكون يجد أن كل شيء يحييه الله عز وجل ويميته سبحانه، قال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة:255] , وقال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ} [الرحمن:5 - 7]، رفع هذه السموات، وأنزل لكم العدل في أرضه حتى تعدلوا وحتى تزنوا بالحق، وحتى لا تخسروا في الميزان، علمنا العدل الذي به قامت السموات والأرض، وقد قامت السموات والأرض بحساب دقيق عادل من الله سبحانه، ولو أن هذا الحساب فيه شيء من الخطأ لسقط الكون كله، ولتخبطت النجوم في بعضها، وهلك الكون، ولكن الكون موجود به ذلك، ولذلك يخبرنا ربنا سبحانه عن آية من آياته يسمونها: آية التمانع، قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22] فلو كان في الكون آلهة إلا الله لفسد هذا الكون، فنقول: دليل التمانع أنه إله واحد امتنع من الفساد، فالسموات لها نظام موحد، فالنجوم تطلع كل يوم من مكانها، والشمس من مكانها، والقمر يطلع على عادته، والأرض تسير في مكانها منذ أن خلقها الله سبحانه في فلكها، قال تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء:33] ولو كان هناك آلهة غير الله لقال إله للشمس: اطلعي، والآخر يقول: لا تطلعي، وذلك يقول للأرض: سيري من هذا المكان، والإله الآخر يقول: من هذا المكان، فلو كان ذلك لهلك الكون وفسد.
والعادة أن المركب فيه رُبَّان واحد، ولا يمكن أن يسيره ربانان، فهذا الكون العظيم هل يعقل أن فيه كذا إله يدبر أمر هذا الكون ويسيره؟! قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:22 - 23].
قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) إذا قلنا: إن هذه الأرض التي نراها عظيمة وفسيحة بجوار السموات كحلقة في فلاة، وأن هذا الكون الذي حولك تحت السماء، فكيف تكون سما