قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28]، (ينزل) فيها قراءتان: قراءة ابن كثير وأبي عمرو ويعقوب: (وهو الذي يُنْزِلَ) وقراءة باقي القراء بالتثقيل: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ)، و (الغيث): المطر العظيم الذي يغيث الله به العباد، يخرجهم من ضنك وضيق وقحل ومحل إلى نعمة وخصب، وإلى إخراج ما أنزل الله عز وجل عليه المطر من ثمرات، ومن نبات أغاثه الله سبحانه.
ويستحيل أن يقدر مخلوق من مخلوقات الله عز وجل أن يأتي بالمطر أو بالغيث إلا أن يشاء الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:27]، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [الشورى:28]، فينزل الغيث الذي يغيث، فقد تأتي سحابة في السماء وتنزل مطراً قليلاً لا ينبت شيئاً، ولا يكون من ورائه شيء، فهذا مطر، والإنسان يحاول فقد حاولوا في أمريكا وفي اليابان وغيرها أن ينزلوا مطراً، وهم يعلمون أن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينزل الغيث، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34].
فإنزال الغيث ليس للناس فيه شيء، وإنما الأمر إلى الله سبحانه وتعالى، فقد حاولوا أن ينظروا كيف ينزل هذا المطر، فعرفوا أن ذرات التراب يتجمع عليها بخار الماء حتى يتكثف ويتثاقل عليها، ثم يكون هناك ثقل بزيادة معلومة، فحاولوا أن يثقلوا هذه السحابة بشيء حتى تعمل وتنزل علينا المطر، وفعلوا ذلك ونزل عليهم مطر على شكل رذاذ، لكن ليس هو الذي خلق السحاب، ولا هو الذي كثف الماء في السحاب، ولا هو الذي أعطاها وقتها للإنزال، السحابة وصلت درجة امتلأت فيها وانتظرت إذن الله سبحانه وتعالى، فجاءت الأسباب وثقلت فنزل المطر حيث يشاء الله سبحانه، فما الذي يصنعونه هم؟ لقد حاولوا خلق الجنين في المرأة الحامل، والله عز وجل هو الذي خلق الجنين، وهو الذي كونه، وأوجده، قال تعالى: {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى:50]، فإذا جاء وقت الجنين وهم منتظرون الشهر التاسع وتعسرت المرأة في الولادة قالوا: سنفتح بطنها، أنتم أخذتم بسبب من الأسباب فقط، فلا أنتم الذين خلقتم الجنين، ولا أنتم الذين أوجدتموه، بل الله هو الذي أوجد كل شيء، ولذلك أرادوا عمل شيء مكلف جداً، وهو البحث عن سحابة وتفجيرها بصاروخ، ومن الممكن أن ينزل المطر وقد لا ينزل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ} [لقمان:34]، وحده سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان:34].
فعلم إنزال الغيث متى ينزل؟ وكيف ينزل؟ وعلى من ينزل؟ وكيف يقسم؟ الله عز وجل وحده عنده علم ذلك، وهي آية من آيات الله سبحانه، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى:28]، قد يقنط الإنسان من الرحمة، ويصاب باليأس إذا لم يكن هناك مطر، وانظر إلى البلاد التي إذا منع الله عز وجل عنها المطر كيف يصنعون؟ هناك بلد قريب منا جداً في جنوب الغرب منا وهي النيجر، تعيش هذه الأيام في مجاعة شديدة جداً، إذ منع الله عز وجل عنهم المطر سنة واحدة، فلم تثمر الحقول شيئاً، فإذا بهم يبحثون عن الطعام ويموت الكثير منهم جوعاً، ويحدث لهم هزال شديد جداً، وتفشى المرض فيهم، فأخذوا يبحثون عن الطعام في جحور النمل، يبحثون عن مكان تجمع النمل ليأخذوا الحبوب، نسأل الله أن يفرج عن عباده الهموم ويرفع عن عباده البلاء، ونسأله عز وجل أن يرفع عن المسلمين في كل مكان مقته وغضبه سبحانه، وأن يسقيهم من فضله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا)، إن بلادنا هذه حينما تقرأ في التاريخ أتى عليها زمان لم يجدوا ما يأكلون فيه، وقد ذكر الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام وغيره أن حفنة من القمح كانت تباع بمثلها من الذهب، من المجاعة الشديدة في ذلك التاريخ، قال: حتى أكل الناس كل شيء وأكل بعضهم بعضاً، كانوا يحملون الميت ويذهبون به إلى المقابر وقبل أن يصل إلى المقابر يكون الناس قد أخذوه وأكلوه، وفي الشام حدث ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالله على كل شيء قدير، ونحمد الله سبحانه على فضله، ونحمده على رحمته، ونحمده على ما ينزل علينا من بركات من طعام ومن شراب، فقد رأينا مثل هذه الأشياء، ونسأل الله عز وجل أن يرفع عن المسلمين ما هم فيه.
قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ)، ورحمة الله عز وجل صورها عظيمة وكثيرة، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156]، فينشر المطر وينزل برحمة الله عز وجل على البلاد، فيخرج بها ما يشاء الله عز وجل من ثمرات ونبات، ومما يستفيد منه الخلق، ينشر رحمته ويبثها في كل مكان.
قال تعالى: (وَهُوَ الْوَلِيُّ)، يختم الله الآية باسم من أسمائه الحسنى سبحانه (الولي) أي: مولاك، الذي يتولى أمرك، ويدبر أمورك، فتوكل على الله سبحانه فهو وليك، قال تعالى: (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) وانظر لجمال أسمائه الحسنى وكيف يختم بها سبحانه وتعالى الآيات، يقول لك: لا تخف أنا ربك، أنا أتولى أمرك، أنا أدبر لك ما تحتاج إليه، وأشدد عليك لترجع إلي ولتدعوني، فأنا أفعل بك الخير وأصرف أمورك، وأكون وكيلك، فالله هو الولي الحميد سبحانه وتعالى، وهو المحمود وإن لم تحمده أنت، وإن لم يحمده خلقه، فالله الحميد المستحق لذلك، أنزل على العباد من نعمه، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] وإن كفروا وجحدوا النعمة فإن الله يقول: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، ويصبر ويحلم عن عباده.
فهو الحميد الذي يحمد نفسه، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} [الكهف:1]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]، وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر:1]، وقال تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:2].
فالله سبحانه هو الولي الذي يتولى أمر عباده ويغيثهم سبحانه وتعالى وينجيهم، قال تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأنعام:63]، فإذا أنزل عليكم الغيث فاحمدوا الله واشكروه على نعمه سبحانه، فإذا فعلتم زادكم من فضله سبحانه، وإن لم تفعلوا فاحذروا من عذاب الله، نسأل الله من فضله ورحمته فإنه لا يملكها إلا هو.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.