قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7].
قوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً) أي: هذا القرآن العظيم الذي نزل بلسان عربي مبين من عند رب العالمين.
والوحي من الله سبحانه وتعالى بأن أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم جبريل سفيراً بين السماء والأرض ينقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الله ما يشاء سبحانه من قرآن ومن سنة.
وقد نزل بهذه اللغة التي هي أشرف اللغات، فهذا القرآن أعظم الرسالات، نزل بسفارة أشرف ملائكة الله عز وجل وهو جبريل، ونزل في أشرف وأفضل شهر وموسم في رمضان في ليلة القدر من عند ربنا سبحانه إلى بيت العزة في السماء، ونزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أشرف بقعة في الأرض وهي مكة المكرمة.
فكان القرآن أعظم كتاب نزل من السماء بأفضل لغة وهي اللغة العربية، على أشرف وأفضل الخلق النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا القرآن {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]، أي: مبين مفصح معبر، فهو بين واضح فصيح بليغ، وهنا يذكر الله سبحانه وتعالى أنه نزل من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً، والقرآن بمعنى: الكلام المجموع المقروء الذي يقرأ ويتلى.
فهذا القرآن كتاب واحد نزل من السماء إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل منجماً على النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة، وحياً من الله مع جبريل الملك عليه السلام.
وفي أول السورة قال: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الشورى:3] أي: بمثل هذا الوحي ينزل جبريل عليه السلام من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الذين من قبله.
لما أراد اليهود أن يختبروا النبي صلى الله عليه وسلم ليعلموا أنه على حق أم لا سألوه أسئلة فأجابها، فلما أجابها قالوا: إنك نبي والآن نتابعك أو نفارقك، من وليك من الملائكة؟ قال: جبريل وليي وولي من قبلي، وهو الذي نزل علي، ونزل على كل من كانوا قبلي.
قالوا: لا نتبعك، ولو كان وليك من الملائكة ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والذي ينزل بالقطر لاتبعناك، ولكن جبريل ينزل بالعذاب.
فهذا كلام اليهود لعنة الله عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وهم يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم بصفاته، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146]، فلم يغب عنهم أنه حق صلوات الله وسلامه عليه، ولكنهم أرادوا المفارقة، وأرادوا عدم الاتباع، وغيرهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نخاف أن نتبعك فتقتلنا يهود.
فالعلة الصحيحة أنهم هم خائفون أن يقتلهم اليهود لو اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم.
وغيرهم يخافون على ما عندهم من كراس وأموال، فلا يريدون أن يفقدوها، وظنوا بالآخرة وطمعوا في الدنيا فرفضوا أن يدخلوا دين النبي صلوات الله وسلامه عليه.
ومنهم من يقول: إن داود عليه السلام دعا ألا يزال من ذريته نبياً، فنحن ننتظر نبياً من ذرية داود، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت نبي ولكن نبي إلى الأميين ولست إلينا.
فشهدوا له بالنبوة، وكونهم يشهدون له بالنبوة هذه شهادة له أنه معصوم صلوات الله وسلامه عليه من الكذب، إذ كيف يكون نبياً من عند رب العالمين ثم يكذب عليه الصلاة والسلام؟ فشهدوا له بالنبوة ثم رجعوا فرفضوا، فهو يقول: أنا رسول للخلق أجمعين، وهم يقولون: أنت نبي إلى العرب فقط.