الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الشورى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الشورى:6].
في هذه الآية يقول لنا ربنا سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ) أي: من دون الله سبحانه، (أَولِيَاءَ)، الولي: من يلي أمر الشيء، ومن يلي أمر الإنسان هو وليه، وقد يكون قريباً وقد يكون بعيداً.
والولي يطلق في اللغة على القريب الذي يكون بين الإنسان وبينه نسب، كالعم وابن العم ونحو ذلك.
ويطلق فيراد به ولينا ومولانا ربنا سبحانه وتعالى، فهو نعم المولى ونعم النصير.
يقول تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءَ)، الذين اتخذوا من دون الله عز وجل أصناماً، اتخذوا من دون الله عز وجل من ظنوا أنهم يقومون بأمرهم عند ربهم، فيوصلون أدعيتهم إلى الله عز وجل فعبدوهم من دون الله، وادعوا أنهم يرفعون الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، فقالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، فهؤلاء الذين عبدوا أصناماً من دون الله، وجعلوها أقرب إليهم من الله سبحانه، وجعلوها وسائط بينهم وبين الله سبحانه بغير دليل في ذلك أو سلطان، قال تعالى: (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ)، فالله مراقب لهم، والله محصي عليهم أعمالهم وأقوالهم، والله شاهد عليهم سبحانه وتعالى، والله يحفظ عليهم أعمالهم، ويحكم عليهم يوم القيامة بهذا الذي صنعوه وفعلوه، بعلمه وقدرته.
فـ (اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) أي: شاهد ورقيب سبحانه.
قال تعالى: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:22]، فليس أمرهم موكولاً إليك فتصير وكيلاً عنهم في هذا الذي يفعلونه، إنما أمرهم إلى الله رب العباد سبحانه وتعالى، وليس إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن آمنوا فبفضل الله سبحانه، وإن كفروا فبعدل الله سبحانه والله عليهم قدير.
فالأمر موكول إلى الله يحكم فيه بما يشاء، ولذلك قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21 - 22]، فأمره أن يذكر هؤلاء، وأنه لا يملك هدايتهم كما قال سبحانه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56].
فهو ليس وكيلاً عليهم صلوات الله وسلامه عليه، وليس حفيظاً عليهم، وإنما هو مبلغ رسالات ربه سبحانه وتعالى.
أما الهداية المضافة إليه فمعناها: أنه يدلهم على الخير وعلى طريق السعادة، ويحذرهم من طريق الشقاوة، والأمر راجع إلى الله فهو الوكيل سبحانه وتعالى.