تفسير قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب)

قال سبحانه: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج:47]، يرينا الله صورة من صور عمى القلب، فقال: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج:47] قيل: نزلت في النضر بن الحارث لما قال: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأعراف:70]، وقيل: نزلت في أبي جهل لعنة الله عليهما لما قال: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32]، فمن صور العمى أن الإنسان يستعجل العذاب، فهل يعقل أن إنساناً عاقلاً يقول: يا ربّ إذا كان هذا حقاً فخذني، يا رب إذا كان هذا حقاً فأدخلني النار؟ الإنسان العاقل يقول: إذا كان هذا حقاً فأرشدني إليه، فدلني عليه، فادفعني إليه، ولكن هؤلاء لا عقل عندهم، وصدق الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].

والله عز وجل يستدرج هؤلاء، فهم يكذبون النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون على أنفسهم، وأحياناً يقولون عن القرآن: إن القرآن عظيم، ليس بكلام البشر، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وهذا القائل هو الوليد بن المغيرة ومع هذا لم يؤمن بالقرآن! وأبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفع الناس عن القرآن، وكلما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أناس يدعوهم إلى الله سبحانه، يتبعه ويقول: أنا عمه، وأنا أدرى به، هذا مجنون فلا تصدقوه، هذا كذاب، وقد أنزل الله عز وجل فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5] أي سيهلكه الله، وسيموت على الكفر ويدخل النار، فهذا الرجل لو كان عنده عقل كان سيقول: تتوعدني أنني أدخل النار لأني كافر، فهأنذا أقول: لا إله إلا الله، يقولها ولو نفاقاً حتى يدعي كذب القرآن، ولكنه ما قال هذه الكلمة، وأعماه الله سبحانه وتعالى عن التفكير في ذلك، ومات على كفره الذي هو فيه، وصدق الله العظيم فيما أخبر عنه.

قال الله تعالى: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج:47] الله لا يخلف الميعاد، فسيأتيهم العذاب، فتحقق ما توعدهم به في يوم بدر، وأهلك رؤساءهم وأساطين كفرهم، وتوعدهم بما يكون في قبورهم، وكل ما ذكره الله سبحانه تبارك وتعالى من أمر الدنيا والآخرة فهو حق ووعده آت.

قال سبحانه: {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]، هذه الأعمار الطويلة التي يعيشها الإنسان في هذه الدنيا هي في نظره عمر طويل، حتى إن أحدهم عاش ثمانين سنة فقال: سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم أما يوم القيامة فاليوم بألف سنة مما تعدون، فمن سئم من ثمانين سنة فستكون ثمانين ألف سنة في النار والعياذ بالله، يقول سبحانه: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] يعني: يوماً من أيام الآخرة بألف سنة مما تعدون.

وقراءة الجمهور: ((مما تعدون)) وقراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف: ((مما يعدون)) يعني: مما يعد هؤلاء المشركون من أيام وليال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015