اليهود سمعوا هذه الحروف وهم في المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وحاء في أثر إسناده فيه ضعف: أن أبا ياسر بن أخطب في رجال من اليهود مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ فاتحة سورة البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2]، فذهب أبو ياسر بن أخطب إلى أخيه حيي بن أخطب -وهما من أكابر اليهود- فقال: إني سمعت محمداً -صلى الله عليه وسلم- يتلو فيما أنزل الله عليه: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة:1 - 2]، فقال: أنت سمعته قال ذلك؟ قال: نعم، فمشى إليه حيي بن أخطب، وهل يريد متابعة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هذا مستحيل! فليس هناك يهودي من نفسه يريد أن يتابع النبي صلى الله عليه وسلم إلا الندرة القليلة، فقد أسلم الكثيرون من النصارى، أما اليهود فلم يسلم منهم بعدد أصابع اليدين، فاليهود لا يسلمون إلا من رحم الله سبحانه وتعالى.
وإذا بالرجل يتوهم شيئاً ويقول: هذا عمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن لهم نوعاً من الحساب يحسبونه، فيعطي كل حرف من حروف (أبجد هوز) عدداً من الأعداد، فيقول: الألف: بواحد، والباء: باثنين، والجيم: بثلاثة، والدال بأربعة، والهاء: بخمسة، والواو: بستة، والزاي: بسبعة، وكل حرف يعطيه عدداً إلى أن يصل إلى رقم عشرة، ويبدأ الذي بعده يعد بالعشرات، فيكون الأول بعشرة والذي بعده بعشرين، ثم بثلاثين، إلى أن يصل إلى المائة، ثم بعد ذلك يعد بالمئات.
مائة ثم مائتين، ثم ثلاثمائة، وأربعمائة وهكذا.
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد! ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة:1 - 2]؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بلى، فقال: جاءك بها جبريل من عند ربك؟ فقال: نعم، قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وأجل أمته غيرك، كأنه يريد أن يوهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقل الأنبياء مكثاً في قومه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: الألف: واحدة، واللام: ثلاثون، والميم: أربعون، فتكون مدة قومك إحدى وسبعين سنة! من أين أتى هذا الكذاب بهذا الشيء؟! وهو يريد إلقاء الشك في قلوب من حول النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يقول له: أنت مدة دعوتك واحد وسبعون عاماً، ولن تمكث أكثر من ذلك، ونحن لا نريد هذه الدعوة التي عمرها إحدى وسبعون سنة! ثم قال: ماذا نزل عليك غير هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المص) فقال: هذه أثقل وأطول، الألف: بواحد، واللام: بثلاثين، والميم: بأربعين، والصاد: بسبعين، فيكون مائة وواحداً وثلاثين، إذاً: ستمكث هذه الأمة مائة وواحداً وثلاثين عاماً، يريد أن يقول له: نحن قد مضى علينا أكثر من ألف سنة، وأنت ستجلس هذا العمر، إذاً لن يتبعك أحد؛ ليلقي الشك في قلوب الناس.
فقال: ماذا أنزل عليك أيضاً؟ فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: (الر)، فقال هذا أطول، وحسبها مائتين وواحداً وثلاثين.
قال: هل نزل غيره؟ قال: (المر) قال: هذه أكثر، وحسبها مائتين وواحداً وسبعين.
فقال شخص منهم: لعل الله جمع له هذا كله! فجمعوها فقالوا: سبعمائة وأربعة، وقالوا: لقد خلط علينا! والآن نعرف يقيناً كذب هؤلاء، فنحن الآن في سنة ألف وأربعمائة وستة وعشرين، وهم قالوا له: أقصى شيء يكون عمر أمتك هو سبعمائة وأربع سنين، وهذا كذب، ولا يجوز للمسلم أن يقول به.
والكثير من الكهنة والعرافين يحسب هذا الشيء، فيقول لك: ما هو اسمك؟ فيحسب لك حروفك، ويقول: الاسم هذا يوافق العدد كذا، فيكون لك كذا من النحس أو من الشؤم، أو من كذا، وهذا من الكذب، فلا يجوز لمسلم أن يتعامل بمثل هذه العلوم التي يتعامل بها هؤلاء السحرة.