تفسير قوله تعالى: (بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون)

قال الله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت:4].

(بشيراً ونذيراً) أي: هذا حاله أنه فيه البشارة وفيه النذارة، والبشارة من البشر، بمعنى: الشيء السار الذي يغير وجه الإنسان وبشرة الإنسان، فالإنسان حين يأتيه الخبر السار يستبشر، وبشرته تتغير، فتجد أنه يتورد وجهه ويبدو عليه أثر الفرح، فهذه البشارة، أما النذارة: فهي الإنذار بالوعيد.

إذاً: القرآن فيه البشارة، وفيه ما يسر المؤمنين، وفيه الوعيد الذي يخيف العصاة والكافرين.

فلما جاءهم هذا القرآن العظيم أعرض أكثرهم، قال تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} [فصلت:4]، وهذه العادة أن يبعث الله الرسول فيؤمن به القلة من الناس، قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103]، وقال سبحانه: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] فكأن القليلين هم الذين يؤمنون، والأكثرين هم الذين يتولون ويعرضون.

قال: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت:4] أي: هناك فرق بين سماع وسماع، فإنسان يستمع فينتفع، وإنسان يسمع فلا يعي ولا يفهم، فهؤلاء كانوا يذهبون للنبي صلى الله عليه وسلم وكان يكلمهم فيقولون: نسمع بآذاننا كلامك ولن يدخل قلوبنا، ولن نحاول فهم ما تقوله، فكانوا يخافون أن يدخلوا في دينه صلوات الله وسلامه عليه؛ حسداً للنبي صلى الله عليه وسلم واستكباراً على الحق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015