قال الله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17]، فحملة العرش عددهم ثمانية كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه بذلك، وجاء عن النبي صلوات الله وسلامه عليه في حديث ذكر فيه حملة العرش أنهم من أول من يسمع أوامر الله سبحانه وتعالى، فروى مسلم من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينما نحن جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ رمي بنجم فاستنار)، وهم جالسين مع النبي صلى الله عليه وسلم رأوا نجماً يرمى به من السماء، فاستنار هذا النجم ورآه الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم -قالوا ذلك متأدبين مع النبي صلى الله عليه وسلم- أما نحن فكنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم ومات رجل عظيم).
فكانوا في الجاهلية إذا رأوا الشهاب يقذف به في السماء يقولون: سيولد رجل عظيم أو سيموت هذه الليلة رجل عظيم، وهذه من خرافات أهل الجاهلية، فالنبي صلوات الله وسلامه عليه قال لهم: (فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله إذا قضى أمراً سبح حملة العرش)، فأول من يسمع أوامر الله سبحانه وتعالى حملة عرشه، وهؤلاء الملائكة المقربون من رب العالمين سبحانه، فيقدر الأمر ويأمر به، فأول من يسمع حملة العرش، فإذا سمعوا ذلك سبحوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم)، وكلما كانوا أقرب من حملة العرش كانوا أقرب إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، فتسبح حملة العرش، ويسبح الملائكة الذين يلونهم، قال: (حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ قال: فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به)، أي: يظل أهل السماء يتناقلون هذا الخبر، فالملائكة الأقربون يخبرون من يليهم حتى يصل الخبر إلى ملائكة السماء الدنيا، فكانت الشياطين والجن يسترقون السمع، ويتسمعون إلى خبر السماء، فيأخذونه لينزلوا به إلى الأرض، وهذا امتحان من الله لأهل الأرض، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فتخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون به)، أي: يقذفون الخبر إلى أوليائهم من الجن، ثم إلى أوليائهم من الإنس، والله عز وجل يرمي هؤلاء بالشهاب الثاقب ليحرقهم به، قال: (فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقذفون فيه ويزيدون)، أي: ينزل خبر السماء فتزيد فيه الشياطين، ويقولونه لأوليائهم من أهل الأرض، ويخبرون به الناس، فالكلمة من الحق تحدث ابتلاء للناس.
وقد نهينا أن نصدق الكهنة والعرافين، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاًَ فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد)، فلو أن كلام العرافين والكهنة كله كذب لما أتاهم أحد، ولكن الله يبتلي الخلق بأن يقول هؤلاء كلمة فيها من الصدق، ليمتحن أهل الأرض هل سيصدقونهم أو سيطيعون أمر الله في تكذيب هؤلاء؟ فالله أمرنا بتكذيبهم، وقد نهينا أن نأتي إليهم أو نستمع إلى ما يقولون، فهم يزيدون ويكذبون على الله سبحانه وتعالى.