قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67]، قوله: (وما قدروا الله حق قدره) أي: ما عظموا الله سبحانه بما يستحق من تعظيم، لو أن العبد عظم ربه حق التعظيم فإنه يستحي منه سبحانه وتعالى، فيحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويخشى ويحذر من الموت والبلى، فهو يعلم أنه راجع إلى الله سبحانه وتعالى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فالإنسان الذي يستحيي من الله حق الحياء عرف ربه سبحانه فعبده أفضل العبادة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولم يقدروا الله حق قدره ولم يعظموا الله بما يستحق من تعظيم سبحانه وتعالى.
ثم قال: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يرينا الله سبحانه وتعالى قوته وقدرته في الدنيا وفي الآخرة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر:41] أي: هذه السماوات التي فوقنا وما فيها من أجرام وما فيها من أفلاك وما فيها من شموس ونجوم وكواكب ومجرات وما فيها من خلق لا يعلمه إلا الله؛ الذي يمسك هذا كله والذي يدبر أمره والذي يحفظه من أن يزول هو الله سبحانه وتعالى! والله الذي قدر مقادير هذه الأشياء كلها، قال عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس:38]، {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس:39]، والأرض جعلها راسية؛ لئلا تميد بكم، وهذه الأفلاك كل يجري إلى أجل مسمى، فالله سبحانه وتعالى يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا، وكل يجري بمقدار، وكل يجري بحساب قدره الله العزيز الجبار سبحانه وتعالى.
فهنا الإنسان الذي يتأمل الشمس حين تشرق من مشرقها وتغرب من مغربها ولا يتخلف هذا الأمر، واليوم يطول في الصيف، ويقصر في الشتاء، وهكذا في كل عام لا يتخلف شيء من ذلك، حتى يأتي أمر الله ووعد الله؛ من الذي يمسك هذه الشمس فتجري في مجرتها وفي فلكها ومدارها من غير تخلف في يوم من الأيام؟ إنه الله سبحانه تبارك وتعالى، لو تحركت في غير مسارها واقتربت من الأرض شيئاً لأحرقت ما على الأرض وأتلفت ما عليها، ولأغرقت الأرض جميعها بالفيضانات التي تكون عالية، ولو اقتربت شيئاً لارتفعت درجة حرارة الأرض، عند ذلك تسيح الجبال التي من برد والتي من ثلج فتغرق ما على الأرض ثم تحرق الأرض كلها.
إذاً: الله هو الذي يمسك هذه الشمس فيجعلها تجري في مدارها ومسارها، وقس على ذلك كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى، فهو القيوم سبحانه الذي قام به كل شيء، ثبت هذه في مجراها، وهذه في مسارها، وهذه في مدارها، فكل شيء قام بأمره سبحانه؛ فهو القيوم القائم بكل شيء سبحانه وتعالى، لا شيء يقوم بنفسه، الأرض ليست وحدها هكذا تتحرك بنفسها وتدور كما تريد، لا، ولكن الله ينظمها بمقدار سبحانه وتعالى، فيأتي الليل ويأتي النهار يتعاقبان بسبب دوران الأرض وجريان الشمس ودوران القمر مع الأرض، فكل هذه الأشياء يحركها الله سبحانه وتعالى، فتعرفون الأيام والسنين والشهور والحساب بواسطتها.
فإذا جاءت القيامة أمسك بالسماوات وأمسك بالأرضين فكانتا في قبضته سبحانه وتعالى، وهنا يخبرنا: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: يقبض عليها ويمسك بها، فهذا دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى وقوة الله سبحانه، فهو يعجز خلقه ويريهم هذه الأرض بما عليها من جبال وبحار وأشجار يمسكها سبحانه وتعالى ويقبضها كما يشاء يوم القيامة.
والسماوات يطويها ويمسكها بيمينه سبحانه وتعالى، فهو سبحانه يطوي السماوات بعضها على بعض كما تطوي السجل على الكتاب بما فيه.