الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الزمر: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].
يخبرنا سبحانه وتعالى في هذه الآية عن أمر الشرك بالله سبحانه، وأنه أكبر الكبائر، وأن أفظع ما يرتكب الإنسان أو المخلوق أن يشرك بالله سبحانه وتعالى، والتحذير من الشرك ليس في ملة النبي صلى الله عليه وسلم فقط، ولكنه في كل الملل قبله صلوات الله وسلامه عليه، فكل نبي من الأنبياء وكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام أوحى الله عز وجل إليه وحذره أن يشرك بالله، وأمره أن يعلم الخلق في زمانه ألا يشركوا بالله سبحانه وتعالى، ولذلك دعوة الأنبياء كلهم الدعوة إلى الإسلام، إلى أن يسلم قومهم أنفسهم لله سبحانه وتعالى، إلى أن يعبدوا الله ما لهم من إله غيره، فهذا هو معنى لا إله إلا الله.
قال تعالى عن نوح: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، فقوله: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} هذه الكلمة تساوي كلمة لا إله إلا الله أي: قولوا: لا إله إلا الله، واعملوا بمقتضى ذلك، لا إله إلا الله فيها النفي والإثبات، تنفي صفة الألوهية عن أي أحد إلا الإله الواحد سبحانه وتعالى، فلا يستحق العبادة أحد إلا إله واحد وهو الله سبحانه وتعالى، ولا إله إلا الله هي نفس المعنى الذي في قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} إلا أنه في هذه الآية قدم الإثبات قبل النفي، وفي كلمة (لا إله إلا الله) قدم النفي قبل الإثبات، فقوله: (لا إله) أي: لا معبود إلا واحد فقط وهو الله سبحانه وتعالى.
ومعنى قوله: ((اعبدوا الله)) أي: اعبدوا إلهاً واحداً، ومعنى قوله: {مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}، أي: لا إله غيره سبحانه وتعالى.
فأخبر هنا أن كل الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام أوحي إليهم بذلك، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الزمر:65] أي: كما أوحى إليك وحذرك من الشرك أوحى بذلك أيضاً إلى من قبلك من الأنبياء والرسل، {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، لماذا؟ قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، قيل هذا للرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه وقد عصمه الله من الذنوب فكيف يقع في الشرك؟! ومع ذلك يقول له: احذر من الشرك، إن أشركت بالله أو عبدت غير الله أو توجهت إلى غيره سبحانه حبط كل عملك، وهذا الإحباط للعمل يدل على عظيم أمر التوحيد وعلى شنيع أمر الشرك بالله سبحانه.
فالتوحيد عظيم جداً، فإذا ضيع الإنسان التوحيد استحق أن يحبط الله عز وجل جميع أعماله.
قوله: {لَيَحْبَطَنَّ} هذا فعل مضارع وأوله اللام المؤكدة وآخره النون المثقلة للتوكيد، ومعناه القسم، يعني: والله ليحدثن ذلك، والله ليحبطن عملك، والله لتكونن من الخاسرين، إن فعلت ذلك.
إذاً: الجملة هذه جواب لقسم محذوف دل عليه اللام المؤكدة أول الفعل المضارع والنون المثقلة المؤكدة آخر الفعل المضارع {لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].