تفسير قوله تعالى: (قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة)

قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر:46]، هذه الآية العظيمة الجميلة التي تكسب المؤمن حين يتلوها الثقة بالله سبحانه وتعالى، والتوكل على الله سبحانه، والركون إلى ربه سبحانه، والخضوع له سبحانه، والتسليم والتفويض إليه سبحانه.

فقوله: ((قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)) يعني: قل: يا ألله، يا فاطر السماوات والأرض.

((اللهم)) هذا نداء، معناه: يا ألله، فهنا جمع بين صفة الإلهية، وأنه الإله المستحق للعبادة، وبين صفة الربوبية، وأنه الرب الذي يخلق ويرزق ويفعل ما يشاء ويحكم بما يريد سبحانه.

قوله: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ} [الزمر:46] يعني: يا من فطر السماوات، أي: خلقها على غير مثال سابق سبحانه وتعالى، لم تكن هناك سماء فخلق هذه مثلها، لا، بل فطرها وابتدعها سبحانه وتعالى، كذلك الأرض فطرها الله سبحانه وتعالى على غير مثال سابق.

ثم قال: ((عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ)) يعني: يا عالم الغيب والشهادة، يا من تعلم كل شيء، وما خفي عن الخلق لا يخفى عليك، ما يشاهده الخلق وما غاب عنهم أنت تعلمه، فأنت عالم الغيب والشهادة.

ثم قال: ((أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)) يعني: أفوض أمري إليك أنت تحكم بيننا وبين هؤلاء المشركين، وأنت تقضي بيننا وبين هؤلاء الظلمة، وأنت تحكم يوم القيامة بيننا فيما اختلفنا فيه.

هذه الآية العظيمة كان نبينا صلى الله عليه وسلم يستفتح بها في قيام الليل، كما جاء في الحديث في صحيح مسلم من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها وقد سألها حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم: (بأي شيء كان يستفتح النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته يقول: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)، فكان يستفتح قيام الليل بسؤاله ربه سبحانه بأسمائه الحسنى التي جاءت في هذه الآية، من أنه فاطر السماوات والأرض، وأنه عالم الغيب والشهادة سبحانه، وقبلها يقول: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل)، وهؤلاء هم أعظم ملائكة الله سبحانه وتعالى، والله أعظم وأعلى وأجل وأكبر سبحانه وتعالى، فكأنه يقول: يا ألله يا من خلقت هؤلاء الملائكة العظماء كجبريل وميكائيل وإسرافيل، ويا من فطرت وخلقت السماوات على غير مثال سابق، وخلقت الأرض اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك.

والمؤمن لا يمل من سؤال ربه الهداية، تسأل ربك الهداية سبحانه وتعالى في كل صلاة من الصلوات الخمس، فأنت تقرأ الفاتحة في كل ركعة وتقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] أي: الطريق القويم، طريق رب العالمين، فالله يهديك ويدلك ويثبتك، فلا تزال على ذلك حتى تصل إلى الجنة ويدخلك الجنة، فلذلك تحتاج إلى سؤال الله سبحانه الجنة وسؤاله أن يهديك طريقها، وقد شاء الله عز وجل أن يهدي خلقاً وأن يضل خلقاً، فاختلف الخلق في ذلك، فمنهم من ضل ومنهم من اهتدى، والله عز وجل شاء ذلك، فاطلب منه الهداية وقل: اهدني لما اختلف فيه من هذا الحق بفضلك وبإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015