تفسير قوله تعالى: (وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة)

قال الله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45] انظر إلى المشرك بالله كيف عاثت الشياطين في قلبه فساداً، فإذا به إذا ذكر الله وحده سبحانه الذي يقر هذا المشرك بأنه الذي خلق السماوات والأرض، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، يشمئز وينفر ويرفض هذا، ويعرض عن الله سبحانه وتعالى، والاشمئزاز هو الانقباض، فالمشرك ينقبض قلبه عند ذكر الله؛ لأن قلبه خرب لا يعرف التوحيد، ولذلك تجد المشركين يستهزئون من المؤمنين الموحدين الذين يدعونهم إلى عبادة الله وحده، فيقول قائلهم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]، {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ * أَؤُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص:7 - 8] فهؤلاء الذين يتهكمون على النبي صلى الله عليه وسلم، ويتهكمون على مقام التوحيد، ويقولون: ((أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا)) تناسوا أنهم أقروا أن الخالق واحد سبحانه وتعالى، فنقول لهذا وأمثاله: لم لا تعبد هذا الخالق الواحد الذي أقررت أنت بأنه الذي خلق السماوات والأرض؟ فالنعرة الجاهلية والتعصب القبلي الذي عندهم، وكل قبيلة عندها صنم خاص بها، كل هذا جعله يقول: هل كلنا نعبد إلهاً واحداً ويأتي هذا الواحد ويقول لنا: اعملوا كذا، ولا تعملوا كذا؟! لا، لا نريد هذا الشيء، فكل واحد منهم يريد أن يعبد ما يشاء؛ بسبب هذه النعرة الجاهلية التي عندهم، كانوا يتنافسون أيام الجاهلية، هؤلاء يسبقون هؤلاء، كلهم يريد أن يكون السابق، ويريد أن ينفرد كل بالمدائح دون غيره، فكل هذا جعل أحدهم يقول: منكم رسول يا بني هاشم ونحن من أين نأتي برسول مثله؟ فيرفضون التوحيد بسبب هذه النعرة! كأن الدين لعبة يتلاعبون به، هؤلاء لا يحكمون عقولهم، ولا يفهمون ما يقال لهم، والكافر لا يحاول أن يفكر في هذا الشيء، ولذلك لما دخلوا في دين الإسلام بعد ذلك كانوا يضحكون على أنفسهم، كانوا يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر في المسجد حتى شروق الشمس، وهم يذكرون الله، فإذا شرقت الشمس انتظروا حتى ترتفع فيصلون الضحى، ثم يذكرون أشياء مما كانوا عليه في الجاهلية، ويضحكون على أنفسهم فيما كانوا يصنعون.

الإنسان هو الإنسان، هو هذا الذي كان مشركاً يوماً من الأيام، فالآن دخل في دين الله سبحانه، فإذا به يضحك على نفسه، كيف كان يعبد الصنم الذي صنعه هو بيده؟! كيف صنع صنماً من عجوة ثم لما جاع أكل هذا الصنم الذي يقربه إلى الله حسب زعمه؟! فكانوا يضحكون على أنفسهم فيما كانوا يفعلونه أيام جاهليتهم.

كان أهل الجاهلية إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم وانقبضت ونفرت؛ لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، وكانوا يقولون: {مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية:24] أي: سنموت بعد هذه الدنيا ولن نرجع بعد ذلك، فلذلك يرفضون أن يدخلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يصدقون بوجود الآخرة، وأنهم راجعون إلى الله، ليجازيهم في الدار الآخرة.

ثم قال: ((وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)) أي: إذا ذكر بعضهم لبعض هذه الأصنام والأوثان فرحوا بها، وذهبوا إلى أوثانهم وأصنامهم، وطيبوها وغسلوها ومسحوها، وتقربوا إليها من دون الله سبحانه مستبشرين بذلك، ((إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)) أي: يظهر في وجوههم البشر والفرح والسرور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015