قال الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍُ} [الزمر:36] أليس الله يكفي عبده وينصره ويمنعه من أعدائه ويدفع عنه الشرور؟ أليس الله بقادر على ذلك؟ و (عبده) يدخل فيه كل عبد لله سبحانه، فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم والمؤمنون الذين يتبعونهم بإحسان كلهم عبيد لله.
فيقول الله سبحانه: أليس الله كافي هؤلاء وحسبهم سبحانه تبارك وتعالى فيكفيهم شرور الخلق؟
و صلى الله عليه وسلم بلى.
وهذه فيها قراءتان: قراءة حمزة والكسائي وخلف وأبي جعفر (أليس الله بكاف عباده) على الجميع.
وقراءة الإفراد لباقي القراء ((أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ)) والمعنى واحد، فعبد جنس، والجنس يدخل فيه الواحد والاثنين والجماعة، فالقراءة الأولى ترجع للقراءة الثانية في المعنى، وهو أن الله يكفي جميع عباده سبحانه، فكل من اتقي الله يقيه الله سبحانه تبارك وتعالى الشرور ويدافع عنه، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:38].
قال تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] الكفار يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالشركاء الذين عبدوهم من دون الله، ويحذرون النبي صلى الله عليه وسلم من أنه إذا شتم الأصنام فإنها ستعذبه وستخذله وستفعل به كذا، فهؤلاء الذين من دون الله لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً.
وقد جاء في الأثر أن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أتسب آلهتنا؟! لئن لم تكف عن ذكرها لتخذلنك، أيْ: ستتسلط عليك وستخليك، أو لتصيبنك بسوء، وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل خالداً ليكسر العزى وهو تمثال للكفار، قال الله سبحانه: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} [النجم:19 - 20].
فهذه آلهة عبدوها من دون الله سبحانه، فاللات: اسم محرف للفظ الجلالة الله، وسموا اللات آلهة وأنثوها وعبدوها من دون الله.
والعزى: كانت شجرة يعبدونها من دون الله سبحانه تبارك وتعالى، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالداً ليقطعها، فلما ذهب إليها وأمسك بالفأس ليقطعها قال له السادن: أحذرك منها يا خالد من أن تعمل فيك فإن لها شدة ولا يقوم لها شيء، وأراد أن يخوف خالداً من الشجرة التي يعبدونها من دون الله ويحذره منها وهذا ما يقوله الكفار في كل زمان، حين يعبد الناس غير الله سبحانه يظنون في أنفسهم أن هذا الذي يعبدونه ينفع ويضر، فيحذرون من ينكر عليهم كمن ينكر عليهم عبادة القبور، فيزعمون أن السيد فلاناً سيعمل كذا وكذا، ويزعمون أشياء فيكذبون على الله سبحانه تبارك وتعالى، ويخوفون أنفسهم بأشياء باطلة.
فهؤلاء أقوام قد ماتوا لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً فكيف يملكون لغيره؟ ولكن القلب إذا خرب إذا بصاحبه يهرف بما لا يعرف، فيتكلم بالأشياء الكاذبة فيقول: هذا سيدي فلان سيعمل فيك كذا، وإذا قلت لأحد هؤلاء المشركين: احلف إنك ما عملت كذا، يقول: والله ما عملت كذا وهو كاذب، وحين يقال له: احلف بسيدي فلان، فيقول: لا أحلف، فهو لا يخاف من الله سبحانه تبارك وتعالى، فيحلف كذباً بالله، فإذا حلف بسيدي فلان يخاف منه، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن غيره، كذلك كان هؤلاء المشركون يعبدون أصناماً صنعوها ومع ذلك يخافون منها ويخوفون النبي صلى الله عليه وسلم بها.
قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36] أين ذهبت عقول هؤلاء حين عبدوا هذه الحجارة التي كسروها وصنعوا منها هذه التماثيل؟! فأضلهم الله فهم لا يهتدون، فأهل الشرك ذهبت عقولهم فلا يدركون ولا يفهمون فيعبدون مالا ينفعهم ولا يضرهم! فالله هو الذي يهدي وهو الذي يضل سبحانه تبارك وتعالى، فتجد الإنسان عقله كبيراً وقوياً في أمور الدنيا فهو عالم في الذرة أو عالم في كذا وكذا، وفي أمور الآخرة متحير لا يعرف من يعبد هل يعبد الطبيعة أو كذا؟ وترى الناس في اليابان عقولهم عقول جبارة، وربنا جعل فيهم آيات عجيبة جداً، ومع ذلك تلاقي أحد الأطباء يذهب إلى المعبد من أجل أن يعبد من دون الله مالا ينفعه ولا يضره، فيأخذ جرساً ويذهب به إلى المعبد من أجل أن يوقظ الإله، فهذا الإله الذي هو محتاج إلى من يوقظه محتاج إلى غيره! قال الله تعالى: ((مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)) أي: من أضله الله من الكفار طمس النور الذي في العقول فإذا بهم لا يفكرون ولا يفهمون، ومن يهديه ويدله على الصواب إذا أضله الله سبحانه.