يقول تعالى: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} [الزمر:35] ليكفر: اللام للعاقبة، أي: تكون عاقبة هؤلاء أن يكفر الله سبحانه تبارك وتعالى عنهم أسوأ ما عملوا، وأسوأ ما وقعوا فيه هو الشرك بالله سبحانه، فكانوا مشركين قبل أن يأتيهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا مكذبين جاحدين، فلما جاءهم القرآن العظيم آمنوا وصدقوا، فالإسلام يَجبُّ ما قبله، فالله يكفر عنهم أسوأ ما وقعوا فيه من الشرك بعدما أسلموا.
ومعنى: ((لِيُكَفِّرَ)) أي: ليمحو ((عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)) فأسوأ ما يكون من أشياء وقعوا فيها من الشرك بالله فقد كفرها الله سبحانه، وباقي الذنوب يكفرها الله عنهم من باب أولى، بل من فضله ورحمته يبدل هذه الذنوب إلى حسنات، فالله عز وجل رءوف بعباده ولطيف بهم سبحانه، يكفر عنهم أسوأ الذنوب وهو الشرك بالله سبحانه، ثم يبدل سيئاتهم حسنات من فضله ورحمته سبحانه ويدخلهم الجنة.
قال سبحانه وتعالى: ((وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ)) فالإنسان يعمل الحسنة ويتمنى لو أنه زاد عليها، فانظر إلى فضل الله سبحانه، فمثلاً: إنسان يريد أن يتصدق بعشرة جنيه فلم يجد إلا جنيهاً واحد فتصدق به، فإذا بالله يعطيه على نيته أجر العشرة الجنيه، فهذا أحسن الذي كانوا يعملون.
ولذلك فالمؤمن يتمنى من ربه ما يشاء، ويحب الصالحين، ويحب أن يكون معهم، فالله يعطيه أحسن ما يتمناه هذا العبد، لذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يطمع المؤمنين في ربهم فقال: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنة، فإنه أعلى الجنة وأوسطها وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة)، فإذا سألت ربك فلا تطلب أدنى الأشياء، ولكن اطلب أعلى ما يكون، واستعذ بالله من عذابه ومن ناره واسأل الله الجنة، فإذا سألت ربك الجنة فإنه يمن عليك بها.
ولذلك جاء في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة) فإذا سألت ربك: اللهم إني أسألك الجنة، اللهم إني أسألك الجنة، اللهم إني أسألك الجنة، فإن الجنة تقول لله سبحانه تبارك وتعالى: رب أدخله الجنة (ثلاثاً).
وإذا تعوذت بالله من النار ثلاث مرات: اللهم إني أعوذ بك من النار، اللهم إني أعوذ بك من النار، اللهم إني أعوذ بك من النار، فإذا بالنار تطلب من الله سبحانه أن ينجيك منها، فتقول: اللهم نجه مني، اللهم أعذه مني، اللهم أجره مني.
وفي حديث آخر: (من سأل الله الجنة في يوم سبعة مرات) فمن سأل الله سبع مرات أن يدخله الجنة، فإن الجنة تدعو الله سبحانه أن يدخله فيها، فإذا كنت أنت تدعو والجنة تدعو لك والملائكة يستغفرون لك فهذا فضل الله عظيم وكبير، ولا يهلك على الله إلا هالك بأن يدخل النار ويستحقها، وذلك إذا كانت الحسنة بعشرة أمثالها والسيئة بسيئة واحدة فالذي يدخل النار فإنه قد خالف الله سبحانه وما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، فأفرط على نفسه وأسرف وضيع عمره هباء فيستحق ما وقع فيه، نسأل الله العفو والعافية.