قال تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [الزمر:25]، أي: ليس هذا التكذيب شيئاً جديداً عند هؤلاء القوم، فقد كذب الذين من قبلهم، وقد أذاقهم الله عز وجل سوء صنيعهم وسوء تكذيبهم بعذاب في الدنيا قبل الآخرة.
قال تعالى: ((فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)) وكم أُخذ آمن من مأمنه! فهم ظنوا أنهم آمنون، وظنوا أنهم في مأمن من مكر الله سبحانه، فجاءهم العذاب في مأمنهم الذي كانوا فيه، كما قال تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:40] وقال هنا: ((كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ)).
((فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ)) أي: الذل والهوان والفضيحة في الدنيا، فقد أخزاهم الله سبحانه تبارك وتعالى، وأذلهم وعاقبهم بهذا الخزي في الدنيا.
قال تعالى: ((فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ)) أي: هذا الذي ذاقوه في الدنيا شيء يسير من عذاب الله سبحانه، وأما عذاب يوم القيامة فهو أشد وأقوى، ولا يستطيعون أن يصرفوا عن أنفسهم عذاب الله لا في الدنيا ولا في الآخرة.
((وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))، كأن فيها معنى تحسر العباد على أنفسهم.
أي: لو كان يعلمون علماً ينفعهم ما وقعوا في الكفر بالله سبحانه تبارك وتعالى، ولكن كان علمهم علماً لا يتجاوز آذانهم ولا يدخل إلى قلوبهم، ولو كانوا يعلمون حقيقة هذا الأمر لما كفروا بالله، ولما عصوا ربهم سبحانه تبارك وتعالى، ولاتقوا هذا العذاب الذي عند الله سبحانه، ولكن سوء صنيعهم أورثهم النار يوم القيامة، وأورثهم الذل والهوان والخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.