قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:164] وهذا على لسان ملائكة الله سبحانه تبارك وتعالى يقولون ذلك، والآية بدأها الله عز وجل بذكر الملائكة، قال تعالى: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات:1] وهنا يتكلم بلسان الملائكة، يقول: كل منهم له مقام معلوم عند الله سبحانه وتعالى، لا يقدر ملك أن يتجاوز هذا المقام المعلوم، قيل: هذه الآية نزلت لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج به إلى السماء، فوصل إلى سدرة المنتهى فتأخر جبريل ولم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وتركه جبريل فتعجب النبي صلى الله عليه وسلم! فنزلت هذه الآية بعد ذلك تبين، قال تعالى: ((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ)) يعني: موضع للعبادة لا يتجاوز هذا المكان إلى أعلى منه، وكل ملك من الملائكة له موضع لا يتجاوزه، فقوله تعالى: ((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ)) أي: مكان وموضع في عبادة الله سبحانه معلوم.
وجاء في حديث رواه الترمذي عن أبي ذر -وهو حديث حسن- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما في السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قاعد) وذكر حديث بطوله وفيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط) يئط المبنى أو يئط السقف أو تئط الدابة يعني: يحدث لها صوت من الأثقال التي فوقها، كذلك السماء أثقلها ما فوقها من خلق الله سبحانه، من ملائكته الذين يعبدونه، وقال هنا في حديث أبي ذر: (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجداً لله)، فكل مواضع السماء فيها ملائكة خاشعون لله سبحانه ساجدون له، قال: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله)، ويقسم النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لو تعلمون ما أعلم) يعني: مما سيكون من حساب وعقاب وموقف بين يدي الله سبحانه يوم القيامة، (ولخرجتم إلى الصعدات) الصعدات: الأفنية والطرقات لخرجتم إليها تجأرون، أي: تضجون إلى الله بالدعاء والبكاء، قال أبو ذر لما روى هذا الحديث: لوددت أني كنت شجرة تعضد، يعني: يا ليتني كنت نباتاً يأكلني من شاء الله من خلقه، ولا أكون من الخلق فأبعث يوم القيامة وأقف بين يدي الله سبحانه وتعالى.