الإرادة الكونية القدرية: أن يوجد في هذا الكون ما أراده الله سبحانه من خير وشر وإيمان، أو طاعة أو معصية، وما أراده الله لا بد أن يكون.
والإرادة الشرعية: هي التي ينبني عليها ما يحبه الله سبحانه وتعالى، والعباد لا يتجاوزون أبداً ما أراد الله سبحانه من كون وقدر، ولا يقدر أحد أن يتجاوز ذلك، كأن يأمر الله فيقول: كن فيكون، ويحيي إنساناً، يقول: كن حياً، يكون حياً، كن إنساناً يكون إنساناً، كن جماداً يكون جماداً، كن نباتاً يكون نباتاً، مت فيموت الإنسان، امرض فيمرض الإنسان، فهذه إرادة كونية قدرية.
أما الإرادة الشرعية كأن يقول: صل، صُم، مر بالمعروف وانهَ عن المنكر، أطع الله، فهذه إرادة شرعية جعل الله العباد ملزمين بها شرعاً، ويحاسبهم على هذه الأفعال، وجعل لهم اختياراً في ذلك، وهو أعلم ما الذي يختارونه، وهو أعلم بخلقه أنهم يستحقون الجنة أو يستحقون النار، وقد خلقهم الله عز وجل لما شاء سبحانه.
إذاً: الإرادة الكونية القدرية لا يخرج عنها أحد أبداً، أما الإرادة الشرعية فقد يفعل الإنسان ما يريده الله سبحانه وما يحبه وقد لا يفعل ذلك، فإذا فعل ما أحبه الله، أثابه الله، وإذا ترك ذلك عاقبه الله سبحانه تبارك وتعالى، لكن هؤلاء خلطوا بين الاثنين وقالوا: إن الله أراد أن لا يعصى فعصي سبحانه! فنقول: هذه إرادة شرعية وليست إرادة كونية قدرية، فالإرادة الكونية القدرية أنه خلق العباد، وعلم أن منهم كافراً ومنهم مؤمناً، وأراد ذلك سبحانه، أما الإرادة الشرعية: هي ما يحبه الله فأحب من عباده الطاعة وكره منهم المعصية، وترك لهم الاختيار يختارون ولا يخرجون عما شاءه الله سبحانه.
يقول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة، وإن في ذلك لعلماً في كتاب الله عز وجل عرفه من عرفه وجهله من جهله ثم قرأ هذه الآيات: ((فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ)) * ((مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ)) * ((إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ)) قال: إلا من كتب الله عز وجل عليه أن يصلى الجحيم أن يدخلها، قال: وفصلت هذه الآية بين الناس، وفيها من المعاني أن الشياطين لا يصلون إلى أحدٍ من خلق الله سبحانه كتب له أن لا يهتدي، فالشيطان لا يصل إلى إضلال من كتب الله عز وجل له الهدى، ولا يصل أحد إلى هداية إنسان قد قدر الله عز وجل عليه الشقاوة، فلا يتغير ما في علم الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: ((فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ)) * ((مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ)) والفتنة الإضلال والإخراج عن دين الله سبحانه وعن أمره، أي: ما أنتم عليه بمضلين أحداً إلا من قدر الله عز وجل له ذلك، قال تعالى: ((إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ)) (يصلى) معناها: يقاسي حرها، و ((الْجَحِيمِ)): النار المستعرة.
فقوله تعالى: ((إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ)) أي: يدخل الجحيم فيعاني من حرها وقسوتها.