قال سبحانه وتعالى: {الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ} [الحج:25]، قوله: (ومن يرد) أي: أصبح يريد، وجزمت كلمة يرد هنا بحذف حرف العلة، {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، أي: من يريد في المسجد الحرام أن يلحد فيه ظالماً، والإلحاد: هو الميل والزيغ والبعد عن الحق.
ومن صور الذي يلحد في المسجد الحرام أن يظلم نفسه ويظلم غيره، أو يقع في الشرك بالله سبحانه، أو في الكبائر والفواحش والذنوب، فالله عز وجل يتوعد هذا الملحد بالعذاب الأليم، حيث قال: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25].
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أبغض الناس إلى الله ثلاثة)، يعني: أبغض العصاة إلى الله رب العالمين ثلاثة، (ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريقه)، فهؤلاء أبغض الناس إلى الله سبحانه وتعالى، وأبغض العصاة: هو من يلحد في الحرم، يعني: يقع في الفواحش، أو يقع في كبائر الذنوب، أو يريد الظلم فيه، وكذلك الإنسان الذي يشرك بالله سبحانه وتعالى، فهؤلاء هم أبغض الناس إلى الله عز وجل.
وقوله: (ومبتغ في الإسلام سنة جاهلية) أي: بعد أن دخل في الإسلام عاد يعمل ما كان يعمله أهل الجاهلية ويعتقدونه من شرك، وكهانة، وعرافة، وسحر، وأشياء كانوا يفعلونها في الجاهلية، فكذلك الذي يريد أن يرجع إلى دعوى الجاهلية، ويتعصب بعصبية الجاهلية، ويدعي دعوى الجاهلية، فهو من أبغض الناس إلى الله عز وجل.
وذلك أن من سنن الجاهلية أن الإنسان إذا قتل إنساناً أتى أهل القتيل فقتلوا القاتل، وقتلوا معه من هو أعظم منه من قبيلته، فيأخذون بدم الواحد دماء أناس مظلومين لم يفعلوا شيئاً، ولعلهم يتركون القاتل احتقاراً له ويقتلون أكبر رجل في قبيلته، إذ لعلهم يحتقرون القاتل ويقتلون زعيم القبيلة مثلاً، فهذا هو الذي يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية، وما كان يصنعه أهل الجاهلية من محاسبة غير الظالم، فيأخذون مظلوماً بذنب إنسان ظالم.
قال: (ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريقه)، وهو الذي يقتل إنساناً من غير حق أو سبب، أو هو من يقتل غير القاتل، أو يقتل الإنسان المظلوم.
فهؤلاء أبغض الناس إلى الله عز وجل، ولهم العذاب الأليم عند الله رب العالمين سبحانه.