قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:32].
أي: الكتب السماوية يورثها سبحانه لمن اصطفى من عباده، فينزل الله على رسول من رسله عليهم الصلاة والسلام كتاباً، ويصطفي من يشاء من خلقه ليكونوا حواريين لهذا النبي أو الرسول عليه الصلاة والسلام، فاصطفاهم، وأورثهم هذا الكتاب فصاروا أهله المستحقين له.
وتوارثوا علمه وأحكامه، حتى جاء أقوام بعدوا عن الله سبحانه فحرفوا دينهم، فإذا بهم يتركون أحكام الله عز وجل ويعملون بغيرها، ويجعلون كتاب ربهم وراءهم ظهرياً، فلا يستحقون أن ينزل عليهم من السماء شيئاً، فيصطفي الله عز وجل من خلقه ما يشاء، وينزل كتاباً من السماء، وكان الأمر على ذلك حتى اصطفى من الخلق نبينا صلوات الله وسلامه عليه، واصطفى له أصحابه، واصطفى هذه الأمة أمة الإسلام، وأنزل هذا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله إرث هذه الأمة واختصها بأن تدعوا إلى هذا القرآن، فصارت الأمة المهتدية، والأمة الوسط التي تدعوا إلى كتاب الله عز وجل، فكان معهم ميراث الأنبياء السابقين، وهو: أحكام كتاب الله سبحانه، وشريعة الله التي يدعون إليها إلى أن تقوم الساعة، ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا))، فجعل هذه الأمة هي الأمة المصطفاة، وقربها إليه، قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]، فهي الأمة التي اجتباها الله سبحانه، قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] أي: تقيمون شرع الله سبحانه.