ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له، ونفي الشفاعة، وكرر الله ذكره في كتابه: {منْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} [البقرة:255]، {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم:87].
والشفاعة من الشفع، والشفع عكس الوتر، الوتر الفرد الواحد، والشفع فرد آخر يأتي بجواره، حتى ينتفع هذا بهذا، فإذاً: صار الفرد شفعاً لما انضم إليه آخر، والشفاعة فيها هذا المعنى، فالإنسان يأتي يوم القيامة وحده منفرداً إلى الله سبحانه وتعالى، ويهيئ الله من يشاء من خلقه أن يشفع لهذا الإنسان المؤمن، فيشفع رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وتشفع ملائكة الله، فيقفون بجوار هذا ويقولون لله: كان يفعل كذا وكذا، يا رب ارحمه، يا رب أخرجه من النار، وشفع الرسول للخلق، بمعنى: وقف بجوارهم، ودعا ربه سبحانه، أن ينجيهم مما هم فيه، فهذه هي الشفاعة يوم القيامة.
يقول الله عز وجل مؤكداً على المعنى الذي في هذه الآية، وأنه لا أحد يجرؤ على الشفاعة إلا بإذن الله سبحانه وتعالى، لا ملك مقرب، ولا رسول مرسل، ولا أحد من خلق الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]، أي: إلا أن يأذن الله، ولذلك الشفاعة العظمى لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، -نسال الله عز وجل أن يجعلنا من أهل شفاعته عليه الصلاة السلام-، هي أنه يأتي تحت عرش الرحمن سبحانه، ويخر لله ساجداً، ويفتح الله عز وجل عليه من المحامد يعلمها إياه في ذلك الموقف العظيم، ويتركه ما شاء سبحانه وتعالى، إثباتاً لربوبيته سبحانه، وإلهيته، وإثباتاً لعبودية كل خلقه، فهذا رسوله وخليله وحبيبه محمد صلوات الله وسلامه عليه، يظل ساجداً حتى يأذن الله له ويقول: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع.
فإذاً: لا تكون الشفاعة إلا بعد أن يأذن رب العالمين سبحانه وتعالى.
قال سبحانه: {وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ:23]، وهذه قراءة الجمهور، وقراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي وخلف: (إلا لمن أُذن له) فإذاً: هنا أَذن وأُذن، أذن الله سبحانه وتعالى بمعنى أعلم، وأُذن يعني جاء الإذن من عند الله سبحانه وتعلى للشافعين أن يشفعوا.
ويوم القيامة فيه شفاعات، وهذا من رحمة رب العالمين سبحانه وتعالى، فيشفع المؤمنون بعضهم في بعض، بإذن الله سبحانه، فيخرجون من شاء الله عز وجل من النار من عصاة الموحدين.