قال عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:22] أي: هؤلاء الشركاء الذين عبدتموهم من دون الله وهذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله، والخطاب لجميع الكفار وخصوصاً كفار قريش الذين نزل القرآن وهم يسمعونه من النبي صلوات الله وسلامه عليه، وفيه هذه القصة، قصة سبأ، وقصة سليمان، وقصة داود، عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ليتعظوا ويتدبروا ويعتبروا بأمر هؤلاء فيكونوا مؤمنين، ولا يكونوا مع الكافرين، فلما أصروا على كفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، قال لهم الله عز وجل: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سبأ:22] بكسر اللام وهي قراءة عاصم وقراءة حمزة وقراءة يعقوب: وباقي القراء يقرءونها: (قُلُ ادعوا) بالضم.
(لا يملكون مثقال ذرة) أي: هل يملكون مثقال ذرة أي: قدر نملة؟ وهنا يمكن للإنسان أن يدعي ويقول: أنا أملك مالاً، وأملك كذا، وعندي بيت، وعندي كذا، فنقول له: هل تستطيع أن تحتفظ بهذا الشيء إلى أن تموت ولا أحد يأخذه؟ وهل تستطيع أن تخلد نفسك؟ لا، إذاً: فليس ملكك ملكاً حقيقياً، وإنما هو استخلاف من الله عز وجل استخلفك عليه، وستزول ويبقى الشيء ثم ينتقل إلى غيرك بعد ذلك، فلا يزعم إنسان أنه يقدر أن يخلق نملة، فلن يستطيع مهما أوتي من علم، ومهما أوتي من قوة، فلن يقدر على ذلك.
فإذا تبجح إنسان وقال: أنا أستطيع أن أفعل، قلنا بقول الله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64]، فما قدروا ولا استطاعوا ولا يستطيعون أبداً على ذلك.
{وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} [سبأ:22] أي: ليس لهذه الأصنام التي تعبد من دون الله سبحانه شرك يعني جزء، تقول: فلان شريكي في هذه الأرض، أي: أنت تملك جزءاً وهو يملك جزءاً آخر، فهم لا يدعون أنهم يملكون ذلك، وإن ادعوا ذلك علمنا بالضرورة كذبهم.
قال: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا} [سبأ:22] يعني: في السموات ولا في الأرض، يعني: ليس لهم نصيب في السموات ولا في الأرض، ولا يقدرون على تدبير أمر السموات ولا أمر الأرض، ولا يقدرون أن يأتوا بالشمس من المغرب بدلاً من أن يأتي بها الله عز وجل من المشرق، فهم لا يقدرون على شيء ولا يزعمون ذلك.
قال سبحانه: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ:22] أي: ليس لهم مقاسمة مع الله، ولا شرك لهم مع الله سبحانه في ذلك، وليس لله عز وجل من خلقه ظهير، والظهير: هو المظاهر والمعين، فلا يحتاج ربك إلى أحد سبحانه وتعالى يتظاهر به، أي: يتقوى به حاشا له سبحانه وتعالى، فالكل يحتاج إلى الله، والله لا يحتاج إلى أحد من خلقه سبحانه، ما له منهم من ظهير.