والأحاديث التي وردت في فضل الصلاة عليه قد ذكرناها في كتاب الدعوات، وهي أحاديث كثيرة وعظيمة وجليلة، والذي يقرأ الأحاديث يشتاق للصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، لما في الصلاة عليه من ثواب عظيم عند الله.
فمن الأحاديث التي وردت ما رواه الترمذي من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلث الليل قام فقال: يا أيها الناس اذكروا الله فقد جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه).
فقوله: إذا ذهب ثلث الليل، أي: إذا ذهب الثلثان وبقي الثلث الأخير من الليل.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم يصلي من الليل ما شاء، وينادي في الناس ليصلوا من الليل قال أبي بن كعب: (قلت يا رسول الله! إني أكثر الصلاة عليك -عليه الصلاة والسلام- فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال: ما شئت.
قال: قلت الربع؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك.
قال: قلت النصف؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك.
قال: قلت فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك).
ومعنى ذلك أن يكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم) كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول: (كم أجعل لك من صلاتي)، أي: كم أجعل لك من دعائي، عندما أجلس أدعو لنفسي وأدعو لفلان وأدعو لفلان، وأدعو للناس وأصلي عليك، وأجعل قدراً من الدعاء لك أنت يا رسول الله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما شئت حتى وصل إلى الثلثين فقال: (أجعل لك صلاتي كلها؟) إذاً: كل دعائي صلاة عليك! فقال صلى الله عليه وسلم: (إذاً: تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
وكأن أبي رضي الله عنه يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أنشغل عن الدعاء بكثرة الصلاة عليك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذاً: تكفى همك).
إن الإنسان إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم يكشف الله عنه الهم، ويغفر له ذنبه، فإذا كان جل أو كل دعائه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كفاه الله عز وجل ما أهمه وغفر له ذنبه.
ومن الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حديث لـ عبد الله بن عمرو بن العاص، وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله).
إذاً: هي درجة عالية في الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله لي الوسيلة) أي: أن أكون صاحب هذه المنزلة العظيمة عند الله سبحانه.
قال: (وأرجو أن أكون أنا هو) أي: أرجو أن أكون أنا هذا العبد الذي له هذه المنزلة، وسيكون هو صلوات الله وسلامه عليه قال: (فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة) أي: من سأل للنبي صلى الله عليه وسلم هذه المنزلة العظيمة التي لا تكون إلا لعبد واحد من عباد الله من بين خلقه جميعاً حلت له شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الأحاديث الواردة في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم فيه إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم).
(ما جلس قوم) أي: قوم من المسلمين لم يجلس هؤلاء القوم (مجلساً) أي: مجلس بيع أو مجلس شراء، أو مجلساً في المسجد، أو في بيت، أو مجلس في طريق، أي مجلس جلس فيه الناس.
(ولم يذكروا الله عز وجل فيه ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلا كان عليهم ترة) أي: كان حسرة عليهم يوم القيامة.
قال: (فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم) فانظر إلى اجتماع الناس في مجلس من المجالس، إما أن يجتمعوا على ذكر الله وإما على اللهو واللعب، فإذا كان اجتماعهم ليس فيه ذكر لله وليس فيه صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا المجلس يستحقون أن يلاموا عليه.
والغالب أن هذه المجالس تخلو من ذكر الله، فإذا خلت من ذكر الله سبحانه كان فيها ذكر الشياطين، وكان فيها ذكر اللهو واللغو واللعب، وكان فيها الغيبة والنميمة والبهتان والزور، فإذا كان كذلك استحقوا عذاب الله سبحانه وتعالى، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم.
ومن الأحاديث الواردة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حديث رواه الترمذي أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي) عليه الصلاة والسلام.
(رغم) من الرغام، والرغام: التراب، وكأنه يدعو على الإنسان أن أنفه تكون في أذل ما يكون، تكون أنفه في التراب، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالذل، وهذا دعاء على الإنسان الذي يذكر أمامه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصلي عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) نسأل الله عز وجل أن يبلغنا رمضان وأن يغفر لنا سبحانه.
(ورغم أنف رجل أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخلاه الجنة) فهؤلاء جميعاً رغمت أنوفهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعو عليهم بالذل في الحياة الدنيا.
فإذا كان الإنسان يذكر أمامه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينشرح صدره ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فهو إنسان بخيل يستحق أن يذله الله سبحانه وتعالى.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث رواه الترمذي أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي) عليه الصلاة والسلام.
كذلك حديث رواه أبو داود عن فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد ربه جل وعز والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء) فهذا فضالة بن عبيد يذكر: أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى، فذكر أنه قال: (إذا صلى أحدكم) أي: إذا بدأ أحدكم يدعو فليتمهل في الدعاء، بأن يحمد الله سبحانه في البداية، ثم يثني عليه، ثم يمجده، وبعد ذلك يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله عز وجل ما شاء من طلب.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام).
(إن لله ملائكة سياحين) يسيحون في الأرض شمالاً ويميناً، ويسمعون من الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ويبلغون النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة.
وورد في حديث رواه الإمام النسائي من حديث أبي طلحة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني ملك فقال: يا محمد إن ربك يقول: أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً) وهذا فضل عظيم في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل ما ذكرناه أحاديث صحيحة.
ومنها حديث رواه النسائي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات) فصلاة واحدة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها هذا الفضل كله: أن الله عز وجل يصلي عليه ويرحمه عشر مرات، ويحط عنه عشر خطيئات، ويرفع له عشر درجات.
حديث آخر رواه أبو داود عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل يوم الجمعة قال: (فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي).
إذاً: يوم الجمعة بالأخص تعرض الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك حديث رواه أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام).
وهذه فضيلة عظيمة جداً، فالذي يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم تبلغ الملائكة النبي صلى الله عليه وسلم سلامه، فيرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه سلامه عليه.
كذلك في حديث رواه أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم).
(لا تجعلوا بيوتكم قبوراً) أي: لا تجعلوها كالقبور خالية من الصلاة، فقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في القبور، ولا يجوز لإنسان أن يذهب إلى المقبرة فيصلي فيها صلاة الظهر أو صلاة العصر، فإذا ترك صلاة النافلة في البيت كأنه جعل البيت كالمقبرة، وكما أن المقبرة لا يصلى فيها فكذلك البيت الذي لا يصلى فيه صار كالمقبرة.