قال تعالى: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [الحج:5]، بعد ذلك مرحلة الطفولية، وهي من ساعة نزول الإنسان إلى هذه الدنيا إلى قبل بلوغه، فهو في مرحلة طفوليته.
قوله: {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [الحج:5] أي: تصل إلى الرشاد والشدة والقوة في حال البلوغ.
قوله: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [الحج:5] أي: حين ينزل الإنسان طفلاً قد يتوفى في هذه المرحلة، ومنهم من يبقى إلى أن يصل إلى أرذل العمر، كما ذكر لنا في سورة غافر، ((وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)).
إذاً: الإنسان قد يموت وهو في بطن أمه، وقد يموت حين يولد، وقد يموت بعد ذلك، وقد يعيش أمداً طويلاً ويصل إلى أرذل العمر، فهو ينمو حتى يصل إلى أقصى شيء وأكمله، ثم يبدأ ينزل حتى يصل كما كان طفلاً، فهو في هذه المرحلة يصير شيخاً كبيراً، ويرد إلى أرذل العمر، العمر الطويل الرذيل، الذي معه يذهب عقل الإنسان، يصل إلى مرحلة التخريف، إلا أن يحفظه الله سبحانه وتعالى بحفظه لدينه، وبحفظه لكتاب الله سبحانه وتعالى ولسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فمرحلة الشيخوخة الإنسان ينسى فيها كثيراً، بعدما كان يحفظ كثيراً ينسى كثيراً، وبعدما كان يجيد النطق والتكلم تسقط أسنانه ويثقل لسانه ولا يقدر على التكلم بعد ذلك، وفرق بين الطفل الصغير الذي يكون بهذه الصفة، صفة الضعف وصفة اللثغة وصفة عدم القدرة، وبين الشيخ الكبير، فهذا الطفل الصغير محبوب لدى أهله ويحمل ويقبل، ويكون الإنسان فرحاً به، أما هذا الشيخ الكبير فيقولون: متى سيموت هذا الإنسان؟! قال: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل:70] يعني: الإنسان الذي سيعيش ألف سنة، ماذا ستعلم عندما تعيش ألف سنة؟! إن لم تعلم من هو خالقك، وإن لم تتعلم كيف تعبد هذا الخالق، فكأنك لم تتعلم شيئاً في هذه الدنيا، فيظل الإنسان مهما وصل إلى العلم فإنه سيصل إلى هذه الشيخوخة التي سينسى فيها ما تعلم قبل ذلك، انظروا هنا هل يستطيع الإنسان أن يأتي بالشيخ الذي بدأ ينسى وبدأ يخرف ويرجعه مرة ثانية كما كان في حالة الكمال العقلي؟! هاهم يحاولون في هذا الشيخ، لكن لم يصلوا إلى شيء، انظروا إلى رئيس أمريكا ريغان الذي كان رئيس أمريكا وماذا عمل في العالم كله، أصابه مرض (زهيمر) فلا يعرف زوجته ولا أولاده، ولا يعرف شيئاً مما حوله، ذهب عقل هذا الإنسان بمرض أصابه من عند الله سبحانه وتعالى، فينبغي أن يتأمل الإنسان أنه مهما وصل إلى شيء من كمال قدرة وكمال قوة وكمال فهم وعلم، فإنه في النهاية يصل إلى هذا المنحنى الصعب الذي لا يعلم بعد علم شيئاً.
هذا مثال ذكره لنا ربنا سبحانه لنعرف قدرة الله سبحانه.
قال سبحانه: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج:5] هذا مثال قريب من المثال السابق، وهو إحياء الإنسان ونمو الإنسان كإحياء الزرع ونموه، فنحن كل يوم نرى إنساناً يولد وإنساناً يموت، ونرى الأرض كيف أنها تكون هامدة جامدة يابسة فعندما ينزل عليها الماء من السماء تحيا بفضل الله سبحانه.
قال: ((فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ)) أي: هذه الأرض اهتزت بنمو النبات فوقها، ((وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ))؛ لنرى قدرة الله الذي خلق هذا وجعله ينمو، ثم أماته وهو في دورة قصيرة سنة أو دونها، فنرى الحياة والموت في الأرض لنتعظ من ذلك، ونرى حياة الإنسان وموته؛ لنعلم أنه ليس أحد يبقى على الدنيا، قال عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.