يقول سبحانه عن هؤلاء: {يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} [الأحزاب:20] أي: من الرعب الذي أصابهم، أما المؤمنون فقد صدقوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة ليأتيه بخبر الكفار، فرأى الكفار وهم يقولون: النجاء النجاء، وجاء حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره أن القوم قد ذهبوا، وجاء جبريل يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فعرف المؤمنون أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق فيما يقول، فرجعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
أما هؤلاء المنافقون الذين ملأ الجبن قلوبهم فهم لا يصدقون أن الكفار قد ذهبوا، فقد استغربوا: كيف يفر عشرة آلاف كافر من ثلاثة آلاف من المؤمنين، فهم يحسنون الظن في الكفار ويسيئون الظن في الله سبحانه وفي المؤمنين.
وقوله: (يحسبون) قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي وخلف ويعقوب: (يحسِبون) بكسر السين.
والباقون يقرءون: (يحسَبون) بفتحها، وهم عاصم وابن عامر وحمزة وأبو جعفر.
قال تعالى: {وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ} [الأحزاب:20].
يعني: هؤلاء يحبون لو أنهم يهربون من المدينة إلى البادية حتى ينظروا لمن الغلبة، فهم مع المنتصر، هذا حال المنافق، قال تعالى عنهم: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ} [النساء:143] أي: لا مع المؤمنين ولا مع الكفار، فهم يقفون مع من ينتصر.
قال الله سبحانه: {يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} [الأحزاب:20] يعني: يسألون عن خبركم مع الكفار هل انتصرتم أو انهزمتم، أما أن يكونوا معكم يعينونكم على القتال فلا؛ لأنهم لا يجيدون ذلك.
قوله: (يسْألون) هذه قراءة الجمهور.
أما قراءة رويس عن يعقوب: (يسَّاءلون عن أنبائكم).
النبأ: هو الخبر المغيب، فهم لا يريدون خبراً مشاهداً، وإنما يريدون أن يسمعوا الذي حصل مع المسلمين من بعيد فقط.
قال تعالى: {وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب:20] يبين ربنا سبحانه للمؤمنين أن هؤلاء وإن كثروا العدد فلا تفرحوا بهم؛ لأن حقيقتهم أنهم يخذلون بينكم، ويلقون في قلوب المؤمنين الاختلاف وبذور الشقاق، فهم يخوفون المؤمنين من الكفار، وهم يفسدون فيما بين المؤمنين، وهم يثبطونهم عن القتال.