فالأمر كان شديداً، والله تبارك وتعالى له الحكمة العظيمة البالغة، أنه يزلزل الناس ويخيفهم حتى لا يجدوا لهم ملجأً من الله إلا إليه، فيكون اعتمادهم وتوكلهم على الله سبحانه وحده لا شريك له، وله الحكمة سبحانه في أن تكون الهزيمة على طائفة والانتصار لطائفة أخرى، فالمسلمون في بعض الغزوات يغلبون من أولها، وفي بعضها يغلبون ثم يغلبون، وفي بعضها يغلبون من أولها إلى آخرها، وقد يهزمون كما حدث في يوم أحد مثلاً، فالله عز وجل يرينا آيات من آياته، أن هؤلاء المسلمين الذين مع النبي صلى الله عليه وسلم بشر كغيرهم من البشر عرضة للنصر وعرضة للهزيمة.
والهزيمة لها أسباب في داخل نفوس الناس، كما قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة:25]، فكثرة العدد ليست كل شيء، فيوم حنين كان عدد المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم يقارب من عدد الكفار، كانوا عشرة آلاف ومعهم ألفان من مسلمي الفتح، والكفار كانوا عشرة آلاف أو نحو ذلك، وإذا بالمسلمين ينهزمون ولم يبق إلا سبعون رجلاً.
فإذاً أمر القتال ليس لعبة، إنه قتال الكفار {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، فليس كل مسلم يذهب إلى المعركة ويقول الله أكبر فإن الله سينصره مباشرة من غير أخذ بأسباب القتال وأسباب النصر، التي منها: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60]، أي: استعدوا لذلك بالقوة الإيمانية وبقوة العدد والعتاد، فإذا كان معكم عدد وسلاح وإيمان فقاتلوا في سبيل الله عز وجل، وتوكلوا عليه سبحانه، فسوف يأتي النصر والفتح من عند الله.
وإذا لم يوجد معكم الإيمان فإذاً لا تنتظروا النصر من الله، وكذلك إذا وجد الإيمان ولا يوجد عدد ولا إعداد للقتال، فأمر القتال ليس لعبة، لا بد من الاستعداد كما أمر الله تبارك وتعالى.
وفي غزوة الأحزاب كان عدد المسلمين ثلاثة آلاف؛ والكفار عشرة آلاف، فإذاً العدد غير متكافئ بين المسلمين وبين الكفار.
وقد أنزل الله تبارك وتعالى قبل ذلك في يوم بدر ويوم أحد، ما يدل على أن الواحد من المسلمين يمكن أن يقاوم عشرة من الكفار، وليس له أن يفر منهم؛ قال تعالى: {وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا} [الأنفال:65]، فإذاً المائة من المؤمنين يغلبون ألفاً، ثم بعد ذلك خفف عنهم لما علم أن فيهم ضعفاً، فإن يكن منهم مائة صابرة يغلبون مائتين، وإن يكن منهم ألف يغلبون ألفين بإذن الله، فالواحد أمام اثنين، أما في غزوة الخندق فإن الواحد أمام ثلاثة، فلا يستطيعون المواجهة، لكن الخندق حال بينهم وبين الكفار حتى أتى نصر الله، فليس المسلمون هم الذين خرجوا إليهم، بل الكفار هم الذين جاءوا، فانتظروا من الله سبحانه تبارك وتعالى الفرج.