قال الله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الأنبياء:108].
أي: فهذا الوحي الذي جئتكم هو: أن تعبدوا الإله الواحد سبحانه الذي كنتم تتعجبون منه، وتقولون: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [ص:5] فقال: أنا جئتكم بذلك لأن تعبدوا إلهاً واحداً لا شريك له.
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء:108]، أي: هل تسلمون لرب العالمين أنفسكم ووجوهكم وقلوبكم وأعمالكم، فتكون خالصة له سبحانه، فإذا أسلموا فهو خير لهم، وأما: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء:109] يعني: أعلمتكم على سواء.
وكلمة: (على سواء) هنا معناها: أن ما أجهر به مثل ما أخفيه، فهما سواء، بمعنى: لا أقول لكم شيئاً وأخفي عنكم غيره، فلا أغدر ولا أخلف ولا أكذب، وإنما الذي أقوله بلساني هو في قلبي، فقد آذنتكم وأعلمتكم علماً نستوي نحن وأنتم فيه، ونستوي في العلم أن مرجعنا إلى الله سبحانه وتعالى، وأنه لا مودة بيننا وبينكم.
قال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي} [الأنبياء:109]، (إن) بمعنى ما، أي: ما أدري.
{أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء:109]، أي: يوم القيامة الذي أنتم تستعجلون به، لا أدري هل هو قريب أم بعيد؟ وقوله تعالى: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء:110].
أي: إن الله تبارك وتعالى يعلم الجهر وما تنطقون به، ويعلم ما تكتمون.
ثم قال تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأنبياء:111].
{وَإِنْ أَدْرِي} [الأنبياء:109]: لعله عائد على الإمهال، أي: إن الله أمهلكم ولا أدري أقريب أم بعيد هذا الإمهال! فلعل ذلك يكون اختباراً لكم وفتنة وامتحاناً ومتاعاً تمتعون به في هذه الدنيا، حتى يأتيكم الأجل.
قال تعالى: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء:112].
أي: قال النبي صلى الله عليه وسلم داعياً ربه، كما قال المرسلون قبل ذلك، فإنهم سألوا ربهم سبحانه وتعالى فقالوا: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:89].
كذلك قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: قل ذلك، ولذلك قرأ الجمهور: ((قل رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ)).
وقرأ حفص وحده عن عاصم من القراء: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء:112].
والقراءتان في الآية لهما معنيان، فكأنه قال له ربه: قل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ احْكُمْ ?بِالْحَقِّ} [الأنبياء:112].
وقرأ الجمهور: ((ربِّ)).
وقرأ أبو جعفر: ((ربُّ احكم بالحق))، يعني: يا رب! احكم بالحق.
{وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء:112] يعني: يا رب! افتح بيننا وبينهم، وأظهر حكمك في هؤلاء، وربنا تبارك وتعالى هو الرحمن، ومن رحمة رب العالمين أن أرسل محمداً صلوات الله وسلامه عليه، وأمهل هؤلاء لعلهم يؤمنون، ولم يعاجلهم بالعقوبة، وقد آمن كثير من هؤلاء الذين كانوا من أشد الناس على النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء:112]، أي: نستعين برب العالمين على ما تقولون من أقوال شركية، وعلى ما تفترون على الله من الكذب، وعلى ما تتهمون به النبي صلى الله عليه وسلم، من قولكم: كاهن وساحر ومجنون وكذاب وغير ذلك، فهو المستعان سبحانه وتعالى على ما تقولون، وما تصفون.
نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً نافعاً، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يتقبل منا صلاتنا وصيامنا وقيامنا.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.