ومن الأحاديث الكثيرة التي جاءت مخبرة أنه رحمة من رب العالمين: ما رواه أبو داود عن عمرو بن أبي قرة وذكر: أن حذيفة رضي الله عنه كان بالمدائن، فكان يذكر أشياء قالها صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق أناس ممن سمع ذلك من حذيفة فيأتون سلمان رضي الله عنه فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول.
فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له: قد ذكرنا قولك إلى سلمان فما صدقك ولا كذبك، فأتى حذيفة سلمان.
ومعنى الرواية: أن حذيفة وهو في المدائن يكلم الناس ويقول لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرة لعن أبا فلان، ومرة قال لفلان كذا، ويذكر أشياء وقعت، فكانوا يذهبون إلى سلمان ويخبرونه بقول حذيفة، فـ سلمان يقول: حذيفة أعلم، لا يقول: صدق، ولا يقول: كذب، فكأن حذيفة غضب لهذا الشيء.
فذهب يعاتب سلمان، وسلمان رضي الله تبارك وتعالى عنه فقيه، وعالم عظيم، وقد مدحه النبي صلوات الله وسلامه عليه، بقوله: (سلمان منا أهل البيت)، فقد أوتي علماً من عند رب العالمين.
فلما ذهب حذيفة إلى سلمان يعاتبه: لماذا لا تقول لهم إني صادق فيما أقول؟ فقال سلمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب، فيقول في الغضب لأناس من أصحابه، والمعنى: أنه إذا غضب لعله يلعن أناساً، ولكن هذه اللعنة مشروطة بشرط بينه وبين رب العالمين، فأنت لا تدري هل هذا مستحق للعن أو ليس مستحقاً له.
يقول سلمان رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب، فيقول في الغضب لأناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضا لأناس من أصحابه، أما تنتهي حتى تورث رجالاً حب رجال، ورجالاً بغض رجال! أي: أنت عندما تحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم شكر أبا فلان أو لعنه فأنت ستجعل الناس يكرهون هذا الإنسان ويكرهون ابنه، فاترك هذا الأمر، ولا تحدث بهذا الشيء.
ثم قال رضي الله تبارك وتعالى عنه: ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: (أيما رجل من أمتي سببته سبة، أو لعنته لعنة في غضبي، فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة).
ثم قال سلمان رضي الله عنه: والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر.
أي: ليس كل شيء تسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أنه سب فلاناً أو لعن فلاناً تبلغه للناس، فيكرهون الناس على حسب هذا، فلا تبلغ هذه الأشياء، وإذا بلغتها فلا تذكر اسم هذا الإنسان، حتى لا يكره الناس بعضهم بعضاً.
وصدق رضي الله تبارك وتعالى عنه، وما كذب حذيفة رضي الله عنه، فقد كان صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم في المنافقين، ولكن أراد سلمان أن لا تتفكك الأمة بهذا الكلام، ولذلك نهاه رضي الله تبارك وتعالى عنه، وقال له: سنبعث لـ عمر ونكتب له رضي الله عنه، فالغرض بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين.