ولذلك وصل ابن عباس رضي الله عنه إلى ما وصل إليه من العلم بصبره وحكمته رضي الله تبارك وتعالى عنه، فلم يقل: أنا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، علموني وأعطوني كذا، ولو قال ذلك فلعلهم يعلمونه ويعطونه لفضله ولقربه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه تأدب متعلماً، فأذل نفسه متعلماً فصار حبراً عالماً رضي الله تبارك وتعالى عنه، فكان يعرف أن حديثاً عند أحد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيذهب إليه في وقت الضحى، ويجلس عند بابه وينتظر حتى يخرج هذا الصحابي الفاضل، فإذا خرج سأله عبد الله بن عباس عن هذا الحديث.
فيقول الصحابي: لو طرقت علي بابي؟ قال ابن عباس: لا، ولكن هكذا يتعلم العلم، أي: لا أطرق بابك بل أنتظر حتى أن تقول لي هذا الشيء، فهذا عبد الله بن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنه الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين، يريد العلم خلال فترة طويلة.
وهو مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقريب منه، وهو يعرف أن عمر يعرف حديث المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم، واللتان نزل فيهما قول الله عز وجل: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم:4].
وكانتا السبب في أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه عليه الصلاة والسلام شهراً كاملاً، فإذا بـ ابن عباس ينتظر فرصة مناسبة من عمر، طال الوقت وهو ينتظر، حتى مر في سفر مع عمر رضي الله فسأله وهو يوضيه فقال: من المرأتان اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: ويحك يا ابن عباس! وذلك أن ابن عباس أخبره أنه بقي فترة طويلة منتظراً فرصة مناسبة ليسأل فيها عمر رضي الله عنه، حتى أخبره عمر بالحديث الطويل في ذلك.
فالإنسان عندما يتأنى تكون السلامة في تأنيه، وعندما يتعجل تكون العجلة سبباً في تضييعه أشياء كثيرة قد يحتاجها، وهذا لقمان صبر فتعلم رضي الله تبارك وتعالى عنه.