مما جاء عنه: أنه دخل على داود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهو يسرد الدروع، وكان سيدنا داود عليه الصلاة والسلام ملكاً من الملوك ونبياً من الأنبياء، وكان مع ذلك لا يأكل إلا من عمل يده، فعلمه الله عز وجل صنعة الدروع التي يتقى بها الأعداء، وهي ما يلبسه الإنسان ليتقي بها الحرب، فدخل عليه لقمان وهو يسرد الدروع، أي: يصنعها، وقد لين الله تعالى له الحديد كالطين، فأسال له عين القطر وألان له الحديد، فإذا به يصنع الدروع بسهولة ويسر، فنظر إليه لقمان وهو يصنع، وكأنه يقول: يا ترى ما الذي يعمله داود عليه الصلاة والسلام؟ فأراد أن يسأله فأدركته الحكمة فسكت، ونستفيد من هذا: أنه ليس كلما رأى الإنسان حاجة يقول: ما هذه؟ بل اصبر قليلاً حتى تعرف، فلعل هذا الذي يصنع شيئاً يقول لك: هذا كذا، فهذا لقمان الحكيم أراد أن يسأل داود عن الذي يعمله ولكن أدركته حكمته فأمسك رضي الله عنه.
فلما أتم صناعتها داود عليه الصلاة والسلام لبسها، أي: لبس الثوب الحديد، ففهم لقمان أن هذا ثوب يلبسه الإنسان يتقي به عدوه، ثم قال داود: نعم لبوس الحرب أنت، فلبسه داود وتكلم عليه الصلاة والسلام.
فقال لقمان: الصمت حكمة، وقليل فاعله، فقال له داود: بحق ما سميت حكيماً.
فيصبر الإنسان قليلاً ثم سيعرف الأمر الذي فيه، لكن الإنسان عجول كما قال الله: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء:37] فيتعجل الإنسان فيضيع حكماً كثيرة، وعادة الإنسان أنه ملول، فإذا وجد إنساناً عجولاً مل منه وتركه وانصرف، وإذا وجد إنساناً صبوراً أعطاه وعلمه.