قال: (فيقال لهم: ألا ترضون أن أعطيكم مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافها؟! فيقولون: أتستهزئ بنا وأنت رب العالمين؟).
قال مسروق: فلما بلغ عبد الله بن مسعود راوي الحديث هذا المكان من الحديث ما بلغه إلا ضاحكاً، وكلما يذكر هذا الحديث يضحك عندما يصل إلى هذا المكان، فقال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث مراراً، فما يبلغ هذا المكان من الحديث إلا ضاحكاً، حتى تبدو لهواته)، يعني: يبدو آخر ضرس من أضراسه.
قال: (فيقول: لا، ولكني على ذلك قادر فاسألوني، فيقولون: ربنا ألحقنا بالناس، فيقال لهم: الحقوا الناس؛ قال: فينطلقون يرملون في الجنة حتى يبدو لرجل منهم في الجنة قصراً من درة مجوفة، فيخر ساجداً، فيقال له: ارفع رأسك، فيرفع رأسه ويقول: رأيت ربي.
فيقال: إنما هذا منزل من منازلك.
فينطلق ويستقبله رجل، فيتهيأ للسجود فيقال له: مالك؟! فيقول: رأيت ملكاً.
فيقال له: إنما ذلك قهرمان من قهارمتك).
وهو قد ظنه ملكاً من ملوك الجنة، فيقال له: هذا خادم من خدمك الذين يخدمونك في الجنة.
قال: (عبد من عبيدك، فيأتيه فيقول له: إنما أنا قهرمان من قهارمتك على هذا القصر، تحت يدي ألف قهرمان كلهم على ما أنا عليه، فينطلق به عند ذلك حتى يفتح له القصر، وهي درة مجوفة سقائفها وأغلالها وأبوابها ومفاتيحها منها، فيفتح له القصر فيستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء سبعون ذراعاً، فيها ستون باباً كل باب يفضي إلى جوهرة على غير لون صاحبتها، في كل جوهرة سرر وأدراج ونصائف، أو قال: ووصائف، فيدخل فإذا هو بحوراء عيناء عليها سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه سبعين ضعفاً عما كانا قبل ذلك، فتقول: لقد ازددت في عيني سبعين ضعفاً، ويقول لها مثل ذلك.
قال: فيشرف ببصره على ملكه مسيرة مائة عام) وهذا الرجل من أواخر من يدخل الجنة.
ولما سمع عمر بن الخطاب هذا الحديث الذي يحدث به عبد الله بن مسعود قال لـ كعب الأحبار وقد كان أولاً يهودياً من كبرائهم وعلمائهم ثم أسلم: يا كعب! ألا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد عن أدنى أهل الجنة ما له، فكيف بأعلاهم؟! فقال كعب: يا أمير المؤمنين! ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله كان فوق العرش والماء، فخلق لنفسه داراً بيده، فزينها بما شاء وجعل فيها من الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها، جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ الآية: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17].
قال: وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء، وجعل فيهما ما ذكر من الحرير والسندس والإستبرق، وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة، فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، حتى إنهم ليستنشقون ريحه ويقولون: واها لهذه الريح الطيبة، ويقولون: لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين، قال عمر: ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها)، يعني: إن قلوبنا اشتاقت للجنة، وسنجلس نحلم بها ولا نعمل شيئاً لها، فاقبضها وذكرنا بغيرها.