قيل: كان لقمان راعياً، فرآه رجل كان يعرفه قبل ذلك، فقال: ألست عبد بني فلان؟ أي: أما زلت عبداً عند بني فلان؟ فقال: بلى فقال: فما بلغ بك إلى ما أرى؟ أي: ما الذي جعل الناس يلتفون حولك، ويتعلمون منك وقد كنت عبداً من العبيد؟ فقال له لقمان: قدر الله، وأداء الأمانة، وصدق الحديث، وترك ما لا يعنيني، وهذه من الحكمة التي آتاه الله سبحانه وتعالى، فالإنسان الذي يؤتى الحكمة يجعله الله عز وجل يتأمل في ذلك ويحاول أن يقرب من مثل هذه الأخلاق العظيمة بمجاهدة نفسه.
وما في قلب الإنسان يخرج من لسانه؛ ولذلك كانوا يقولون: إن قلب العاقل أمام لسانه، ولسان الأحمق أمام قلبه.
فالإنسان العاقل قلبه كالحجر أمام لسانه، فإذا أراد اللسان أن يتكلم أحاط به القلب، أما الأحمق فقلبه وراء لسانه، كلما انفعل القلب خرج أثره على اللسان، فيقول لقمان رضي الله عنه: إن الذي بلغ به إلى ما يراه هذا الآخر ويتعجب من أمره قدر الله، ولا شك أن كل شيء بقضاء الله وقدره.
فنستفيد من هذا: وجوب معرفة الفضل لصاحبه، فلم يقل لقمان: أنا الذي وصلت لذلك بنفسي، وإنما أشعره أن الله سبحانه وتعالى بفضله هو الذي أوصله إلى ذلك.
ثم ذكر طرفاً من الأخلاق التي كان عليها فقال: وأدائي الأمانة، أي: أديت أمانة الله عز وجل التي أمرت بأدائها، فأديت ما علمت من العلم، وأعطيت الناس حقوقهم، وعلمتهم ما أرادوا مني بأمانة.
ثم قال: وصدق الحديث، أي: أنه كان صادق الحديث، وكلما كان الإنسان صادق الحديث كلما أعطاه الله عز وجل من العلم والحكمة ما يشاء سبحانه، فيجاهد الإنسان نفسه بالامتناع عن الكذب، فيكون صادقاً في كلامه ومصيباً في رأيه واختياره.
ثم قال لقمان: وترك ما لا يعنيني، وهذا من أهم ما يوصل الإنسان إلى رضا الله تبارك وتعالى، أي: ألا يتدخل فيما لا يعنيه، كما قالوا: ما لا يَعنيك يُعنيك، فالإنسان الذي يتدخل فيما لا يعنيه يتعب نفسه من غير فائدة.
فالذي يتدخل في كل شيء لن يصل إلى كل شيء، لكنه يتعب نفسه في هذه الأشياء كلها ولن يصل إلى شيء، لكن العاقل هو الذي ينظر فيما ينفعه في دنياه وأخراه، فيؤتيه الله عز وجل الحكمة في ذلك وفي غيره.