اختلف في صنعة لقمان الحكيم، أي: ماذا كان يعمل؟
و صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً نوبياً خياطاً، وقال سعيد بن المسيب: كان خياطاً، وكان رجلاً أسود.
فاستغرب رجل قوله: أنه كان أسود، فقال سعيد بن المسيب لهذا الرجل: لا تحزن من أنك أسود؛ فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان، أي: ثلاثة سود كانوا من خير الناس.
فلون الإنسان ليس مقياساً على قلبه، فقد يكون فلان أسود اللون أبيض القلب، وعظيم العمل وأرفع درجة عند الله، وقد يكون آخر أبيض اللون أسود القلب، بل من أفسد خلق الله تبارك وتعالى، فاللون ليس مقياساً على ما في القلب، فيقول سعيد بن المسيب لهذا الرجل: لا تحزن من أنك أسود؛ فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بلال ومهجع مولى عمر ولقمان.
فهؤلاء ثلاثة كانوا سوداً ومع ذلك كانوا من خير الناس.
أما الأول: فهو بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكم عانى وقاسى من أهل الجاهلية، من عذاب وجر على الأرض ووضع للصخر على صدره في اليوم الحار القائض، مع سحبه على رمال الصحراء، ومع هذا كله تزيد قوة إيمانه ويقول: أحد أحد.
فهذا بلال رضي الله تبارك وتعالى عنه، والأحاديث في فضله كثيرة، وهو يأتي يوم القيامة أرفع الناس عنقاً؛ لأنه مؤذن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
وأما الثاني: فهو مهجع مولى عمر رضي الله عنه، وكان عبداً أعتقه عمر رضي الله عنه، وكان أسود شديد السواد.
وكان أول شهيد يوم بدر رضي الله عنه، وكان شديداً مقاتلاً عظيماً، لم يكن يهرب عن القتال وإنما يقدم عليه ويقول للناس: أنا مهجع وإلى ربي أرجع، ثم يقاتل ويقدم ويضرب ويقتل الأعداء، حتى قتل شهيداً رضي الله عنه.
وأما الثالث: فهو لقمان الحكيم رضي الله عنه، ومما جاء عنه: أنه كان يحتطب كل يوم لمولاه.
وذات مرة كان رجل ينظر إلى سواده ويتعجب من شدته، فقال له: إن كنت تراني غليظ الشفتين، فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق، أي: لا تعجب من منظري، أو من شفتي أنها غليظة، ولكن انظر إلى الكلام الذي يخرج منها، ثم يقول له لقمان: وإن كنت تراني أسود فقلبي أبيض.