سبب نزول الآية

كان بعض الكفار إذا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن يأخذ غيره من الناس ويقول لهم: تعالوا، أنا أحدثكم أحسن من هذا الحديث.

وكان منهم رجل من كبار المجرمين من الكفار يقال له: النظر بن الحارث، وقد أنزلت فيه آيات في كتاب الله عز وجل تتوعده على ما كان يصنعه مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكان قد اشترى كتباً للأعاجم فيها قصص رستم وأسفنديار من ملوك الأعاجم، فكان يجمع المشركين ويحدثهم ويقول: حديثي خير أم حديث محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ فكان يزعم أن حديثه خير من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان يجتمع الكفار يستمعون له كنوع من العصبية؛ لأنه كافر منهم، وإلا فقد كان سماعهم للقرآن سماعاً آخر، وكان كبيرهم يقول عن هذا القرآن: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما هو بقول البشر، وقد سمعت الجن هذا القرآن ورجعت إلى قومها تدعوهم إلى دين الله سبحانه وتعالى، وكانوا قبل ذلك شياطين يجولون في الأرض يبحثون عن سبب إلقاء الشهب عليهم من السماء عندما كانوا يسترقون السمع.

فالغرض: أن هذا الرجل كان يقول للكفار: تعالوا اسمعوا إلي، ويحدثهم بهذه الأحاديث، ففيه نزل ذلك.

ومن ضمن أفعاله: أنه كان يشتري المغنيات، ومهنة الغناء في الجاهلية لم تكن مهنة الأحرار، ولم يكن يوجد حر يرضى لنفسه بذلك، ولا أن يكون صاحب موسيقى ومعازف، ولم تكن امرأة حرة ترضى لنفسها ذلك، وإنما كانت مهنة العبيد والإماء، فكانوا يشترون الأمة من أجل أن تغني، وكانوا يشترون القينات، والقينة: هي الأمة المغنية.

وقد كان النضر بن الحارث يشتري المغنيات، فإذا علم أن إنساناً يريد الدخول في الإسلام مع النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى هذه المغنية التي عنده وقال لها: انطلقي إلى فلان! فأطعميه وأسقيه وغنيه.

ويقول لهذا الإنسان: هذا خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم.

يعني: الغناء والمعازف خير مما يدعوك إليه محمد صلى الله عليه وسلم من الصلاة والصيام، وأن تقاتل بين يديه، فيقول للكافر: أيها الأحسن؟ أن تذهب تصلي وتصوم وتقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو تسمع الموسيقى والأغاني وأغديك وأعشيك وأسقيك خمراً؟ فينظر الإنسان للشهوة فيذهب معه على هذا الأمر، فنزلت فيه وفي أمثاله هذه الآية.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله ورواه ابن ماجة وغيره بمعناه: (لم أنه عن البكاء).

وهذا قاله في آخر حياته صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم، فقد مات قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أشهر أو بأربعة أشهر، فهذا من آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.

فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم لموت ابنه، وكان من الموجودين عبد الرحمن بن عوف، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتبكي يا رسول الله؟! قال: إنما هذه رحمة.

ثم قال: لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة مزمار شيطان ولعب)، أي: إذا حصل للإنسان نعمة من الله فطرب وفعل ما نهى الله عز وجل عنه، أو استمع للنغمات وللموسيقى وطرب ولعب مع الناس ومع الشيطان فصوته هذا أحمق فاجر، قال صلى الله عليه وسلم: (صوت عند نعمة مزمار شيطان ولعب، وقال: وصوت عند مصيبة، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان)، أي: إذا مات قريب له رفع صوته ولطم وخمش وجهه، فهذا هو الصوت الفاجر الثاني.

فانظر كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم الصوت الذي عند نعمة الإنسان وفرحه، وإتيانه الموسيقى والأغاني واللعب والرقص صوتاً فاجراً أحمقاً، والصوت الثاني: في حالة الموت والبكاء والصراخ والعويل، فهذان صوتان نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث آخر أنه سماه: (رنة الشيطان).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015